الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
وله عاقبتان في الاتفاق على البقاء، وفي الجواهر: الرد واجب مهما طلب المالك وانتفى الغرر، وقاله الأئمة، وفيه ثلاثة فروع: الفرع الأول قال ابن يونس: إذا اعتذر عن الدفع لك بالركوب إلى موضع كذا فلم يقبل عذره فحلف: لا يعطيكها هذه الليلة وادعى من الغد ضياعها: قال: امتناعه ضمان، لأنه أقر بها، وإن قال: لا أدري متى ذهبت حلف ولا يضمن، قاله ابن القاسم، وقال أصبغ: ويحلف: ما علم بذهابها حين منعه، قال ابن القاسم: ولو قال: ذهبت بعد امتناعي ضمنها لمنعك إياها، إلا أن يكون له عذر يتضرر معه بمرافقتك، وقال أصبغ: لا يضمن كان له شغل أم لا، إلا أن يكون في يديه أو عند بابه، وليس فيه فتح ولا غلق، وقال ابن عبد الحكم: إذا قال من الغد: تلفت قبل امتناعي أو بعده لم يضمن، وكذلك لو قال: لا أدفعها إلا بالسلطان، فترافعتما إليه فضاعت في خلال ذلك فلا يضمن، لأنه قد يخاف شغبك، وقد يعوق الناس عائق، وقد يثقل عليهم ذلك في وقت، والمودع إنما دخل على الحفظ والتسليم على ما جرت به العوائد، ويرد الناس مثل هذا من شغل وكيل وما يعذرون به، وقال (ح) وابن حنبل: متى أخر عن القدرة على الدفع أخر له عن الحفظ بالطلب، والرد واجب إجماعا، وفي الجواهر: قال ابن عبد الحكم: إذا قال: أنا مشغول إلى حد، فقال في غد: قبل مجيئك الأول أو بعد فلا يضمن، وعن ابن القاسم: إذا امتنع إلا بقضاء السلطان فيقضي عليه بالدفع فهلكت قبل القضية وبعد الطلب، فإن دفعت إليه بغير بينة ضمن. قال ابن القاسم: ومن طلبت منه وديعة فقال: ضاعت من سنين، وكنت أرجو أن آخذها ولم يكن يذكر هذا، وصاحبها حاضر، يصدق ولا يضمن، لأنه أمر محتمل، وهو أمين، إلا أن يطلب منه فيقر بها عنده، ثم يدعي الضمان قبل ذلك فيضمن، وكذلك القراض، وقال أصبغ: إذا لم يعرف منه طلب لها ولا ذكر لصاحبها ولا لغيره، لأن عادة الناس ذكر مثلها فيتهم. قال ابن عبد الحكم: أصحابنا يقولون: إن سمع منه قبل ذلك الوقت سمع منه وإلا فلا، قال: وأنا أرى أن يحلف ولا شيء عليه. الفرع الثاني في الكتاب: إذا لم تعلم موضع الذي أودعك أحي هو أو ميت؟ ولا وارث له يستأنى بها، فإن طال الزمان وأيست منه فتصدقت بها عنه ليتحصل له ثوابها فيحفظ عليه ملكه بحسب الإمكان، أما هو أو بدله الذي هو الثواب، قال ابن يونس: يريد: ويضمنها له إذا جاء. الفرع الثالث في الكتاب: إذا أودعك عبدا أو مأذونا أو غير مأذون ثم غاب، فلسيده أخذ الوديعة، كما له أخذ مال العبد منه، وقد قال مالك: إن ادعيت متاعا بيد عبد غير مأذون وصدقك العبد وقال: هو بيد عبدي، لا أدري هل لك فيه شيء أم لا؟ فهو للعبد، لظاهر يده، ولا يمين على السيد لعدم دعواه شيئا إلا أن يدعي على السيد أنه يعلم أنه لك فيحلف على علمه، قال مالك: ولو كان العبد مأذونا صدق كإقراره بالدين. وفيه خمس وعشرون مسألة الأولى، في الكتاب: يصدق في رد الوديعة والقراض إليك، إلا أن يقبض ذلك ببينة فلا يبرأ إلا ببينة، ولو قبض ببينة صدق في الضياع والسرقة، لأن الإشهاد عليه متعذر، وقال الأئمة: يصدق وإن قبض ببينة. لنا: أنه لما أشهد عليه فقد جعله أمينا في الحفظ دون الرد، فقد ادعى ما ليس أمينا فيه فيضمن، ولأن الغالب ممن شهد عليه بشيء أنه يجتهد في دفع تلك الشهادة عنه بما يدفعها، بحيث لم يفعل ذلك تعينت التهمة الموجبة للضمان، ولأن أصل اليد: الضمان، لقوله - صلى الله عليه وسلم – (على اليد ما أخذت حتى ترده) خالفناه في موانع الإجماع، فيبقى على مقتضاه في صور النزاع، ولأنه لولا الضمان حينئذ لانتفت فائدة الإشهاد، ولا يقال: فائدته تعذر الجحود عليه، لأنا نقول: دعوى الرد يقوم مقامه. احتجوا بالقياس على صورة القبض بغير بينة، ولأنه غير ضامن ابتداء عند القبض، فلا يضمن انتهاء عملا بالاستصحاب. والجواب عن الأول: أن القبض بالبينة حاث على الإشهاد عند الدفع في مجرى العادة، فلما خولفت العادة اتهم، بخلاف القبض بغير بينة لا ضرورة تدعوه للإشهاد، وعن الثاني: إن الاستصحاب معارض بما ذكرنا من التهمة الناشئة عن مخالفة العادة. تفريع: قال صاحب النكت: إذا قبض بغير بينة وأتهم حلف، قاله ابن القاسم، فإن نكل: قال ابن عبد الحكم: يضمن، ولا ترد اليمين على المالك، لأنه إنما اتهمه ولم يحقق ما يحلف عليه، وقال بعض الشيوخ: يحلف على الرد كان متهما أم لا، بخلاف الضياع، والفرق: أنه في الرد يدعي تيقن كذب المالك، وفي الضياع لا علم عنده، ولو أخذها بحضرة قوم لم يقصد شهادتهم عليه صدق في الرد بخلاف الأخذ ببينة، وكذلك إذا أقر بها عند بينة بخلاف من قصد الإشهاد عليه فإنه هو الذي تنبعث داعيته للإشهاد عند الرد، قال ابن يونس في الموازية: إذا قبض بغير بينة يصدق في الرد مع يمينه، وقاله عبد الملك، وقوله في الكتاب: يصدق في الضياع والسرقة، يريد: ولا يمين عليه إلا أن يتهم، قاله أصحاب مالك، قال اللخمي: قيل: لا يمين عليه، لأنها تهمة وهو أمين، وقيل: يحلف إلا أن يكون عدلا يحلف متهما كان أم لا، لأن الناس قد استخفوا التهم وتغير حالهم فيحلفون سدا للذريعة، إلا المبرز في الخير، ويحلف مدعي الرد وقد قبض بغير بينة، كان مأمونا أو غيره، والفرق: أن هذا يدعي عليه التحقيق بخلاف الأول، لأنه يتهمه، إلا أن تطول المدة بحيث يعلم أنه لا يستغني عن مالك في تلك المدة لقلة ذات يدك أو لغير ذلك، والقابض ببينة لا يبرأ إلا ببينة، إلا أن يكون الإشهاد خوف الموت ليأخذها من تركتها، أو قال المودع: أخاف أن يقول: هي سلف فأشهد أنها وديعة، أو نحو ذلك مما يعلم أن المقصود بأن غير التوثق من القابض فيصدق في الرد بغير بينة. الثانية: في الكتاب: إذا أنكر المرسل إليه وصول المال إليه ضمن الرسول إلا ببينة على الدفع، قبض منك ببينة أم. لأنه مفرط إلا أن يشترط عدم الإشهاد على الدفع. لأنك أمنته على الدفع، وفي الأول إنما أمنته على الحفظ كالوصي يؤمن على الإنفاق دون الدفع، وقابض الوديعة ببينة وقال: لم أجد المرسل إليه ورددت المال إليك لأنه ادعى الدفع لمن ائتمنه إلا أن يقبضه ببينة فلا يبرأ إلا ببينة كأخذ الوديعة، وإذا قدم الرسول بلد المرسل إليه فمات بها وأنكر المرسل إليه الأخذ فلا شيء لك في تركة الرسول، لأنه أمين لم يتعين تفريطه ويحلف من يجوز أمره من الورثة: ما يعلم لذلك شيئا لأنهم متهمون ببقائها في التركة ولو مات قبل البلد ولم توجد المال أخذته من تركته، لأن من مات ولم يوص بالودائع أو القراض التي قبله لم توجد في تركته فهو ضامن، ويحاص بها غرماؤه لتفريطه، فإن قال: هذا وديعة فلان أو قراضه صدق إلا أن يتهم، لأنه أمر لا يعلم إلا من قبله وهو أمين، ويأخذ ذلك من سمي له، فإن قال: دفعته للمرسل إليه وأكذبه المرسل إليه، وكان المال إليه أم لا (كذا) لم يبرأ منك إلا ببينة لتفريطه في الإشهاد. وهو أمين على الحفظ دون التسليم كما تقدم، وكذلك إن أمرته بصدقته على قوم معينين، فإن صدقه بعضهم وكذبه بعضهم ضمن حصة المكذب، أو على غير معينين صدق مع يمينه بغير بينة، لأن غير المعين لا يقصد الدافع الإشهاد من قبل رسوله عليه لعدم انضباطه، فهو أمين في الحفظ والتسليم معا، وفي التنبيهات: إذا هلك ببلد المرسل إليه ولم يوجد المبعوث به: قال أشهب: هو ضامن، وجعله أكثرهم خلافا. وتأول حمديس الكتاب على ما إذا تطاول، فإن قرب ضمن، وكذلك ضمنه في الموازية، وفي النكت: إذا اشترط الرسول عدم الإشهاد نفعه، وإن اشترط عدم اليمين لم ينفعه، لأن اليمين لا تتوجه إلا عند التهمة ولم ير ذلك ابتداء فقد اشترط أمرا لم يتعين، بخلاف الإشهاد تعين سببه من الآن، قال ابن يونس: وجه المدونة: أن موته في الطريق ولم يوجد. يحمل على أنه تعذير وبعد وصوله البلد يحمل على أنه دفعها، ولو كان حيا لأعلم شهوده، وضمنه في الموازية لأن عليه الإشهاد، ولا يخفى ذلك عن ورثته إذا بحثوا، وإذا مات في الطريق برئت ذمته وحمل على الضياع لا على التعذير عكس ما في المدونة، وفي الصدقة على غير المعين إنما يحلف إذا اتهم. الثالثة، في الكتاب: إذا قلت: اقرضتك. وقال: أودعتنيه وتلف المال، صدقت، لأن خروج مالك بيدك لا على وجه يضمن خلاف الظاهر، ولو قلت: سرقته أو غصبته صدق ولا يضمن، لأن الأصل عدم العدوان، ولو قلت: قضيتك إياه من دينك أورددته من قراضك، وقال: أودعتنيه وضاع مني، صدقت مع يمينك، لأن خروج مالك بيدك لا على وجه الضمان خلاف الأصل، وإذا بعث بألف وقال: هي دينك وإن الألف الذي هو وديعة عندي تلفت، وقلت: بل المبعوث الوديعة، صدق كما يصدق في ذهاب الوديعة، قال ابن يونس: إذا اختلفتما في الوديعة والقرض صدقت، لأنه معترف بوضع يده، مدع طرح الضمان عليه، وقال أشهب: يصدق ولا يؤاخذ أحد بغير ما أقر به، والأصل: عدم الضمان، وقال بعض الفقهاء في دعواك الغصب: إنما ذلك إذا ادعيته على من لا يليق به فصار مدعيا لما يشبه. وأنت لما لا يشبه، وإلا فالقول قولك لدعواك ما يشبه، كدعواك القرض على جملة الناس، وقال أشهب: في اختلافكما في المدفوع لك هل دين أو وديعة؟ إن دفع لك ببينة صدق، وإلا صدقت ولا يخرج من الدين إلا ببينة، قال ابن يونس: وهذا إذا دفعت إليه الوديعة بغير بينة، فإذا رد بغير بينة دل ذلك على أنه الوديعة، لأن الإشهاد لا يلزمه، وإن رد ببينة دل على أنه القرض إذ لا يبرأ منه إلا ببينة، ووجب الرد ببينة لتعين قول ابن القاسم، قال اللخمي: إذا قلت: أقرضتك، وقال: أودعتني، والقابض ممن لا يودع غالبا ويحتاج إلى السلف، ترجح قول مالك، وفي العكس يصدق هو. الرابعة، في الكتاب: إذا قلت أمرني بدفع الوديعة لفلان ضمن لا ببينة أنك أمرته بذلك أو تصدقه أنت، لأن الأصل: عدم إذنك له في ذلك، وقاله (ش) و(ح) وقال ابن حنبل: يصدق، لأنه ادعى دفعا يجزيه فلا يضمن قياسا على دعواه الدفع إليك، ووافق على ما إذا اعترفت بالإذن وأنكرت الدفع، قال اللخمي: ليس له تسليمها بأمارة من قبلك ولا بكتابك، وإن اعترف أنه خطك، إلا أن يثبت الرسول عند الحاكم أنه خطك، لأنه لو حضرت لم يأخذها حتى تشهد له بما يبديه، ولو جحدته لم تنفعه الشهادة على القابض، إلا أن يعترف أنه وصاك بتسليمها بذلك، فيلزمه ما رضي به، وإن دفعها الرسول بغير أمارة ولا كتاب وهو عين، وهو موسر جاز رضاه بذلك ويلزمه ما ألزم نفسه، فإن أنكرت الرسالة غرم مثلها ولا ضرر عليك، فإن كانت عرضا مما لا يقضى فيه بالمثل، أو عينا وهو معسر، منع رضاه بالدفع لأنه ضرر عليك، وإذا دفع الرسول وأنكرت أنك بعثته خيرت بين تغريم الرسول أو المودع، فإن غرم الرسول لم يرجع بها على الآخذ منك، قال: له الرجوع بها على الرسول. ومنع أشهب، وقال محمد: إن دفعت بكتاب له أو بأمارة رجعت على الرسول، وعلى قول أشهب: لا يرجع، قال ابن يونس: إذا أنكرت إرسال القابض، قال أشهب: تصدق. قبضها ببينة أم لا، ويحلف، فإن نكلت حلف المودع وبريء، وقال أشهب: لك الرجوع على أيهما شئت ثم لا ترجع (كذا) من أخذت منه على الآخر لأن الدافع صدق الرسول، وإذا جاز بخطك أو بأمارة منك فعرف ذلك وسلم فأنكرت، حلفت إما كتبت ولا سيرت ثم يغرم ويرجع على القابض، فإن سألك عن الرسول فسكت ثم طالبته بعد ذلك فتحلف: أنك ما أمرت القابض الرسول، وما كان سكوتك رضا بقبضه، ولو علمت بقبضه فجئت إلى الآخذ منك فقلت له: كلم فلانا يحتال لي فيما قبضه فهذا رضا منك بقبضه فيبرأ الدافع إليه، ولو طلبت الدافع فجحدك فقلت احلف ما أودعتك، قال ابن عبدوس: يحلف ما لك شيء. الخامسة، في الكتاب: إذا بعثت إليه مالا، فقال: تصدقت به على، وقلت: وديعة، وتلف المال فالرسول شاهد يحلف معه المبعوث إليه، قيل: كيف يحلف ولم يحضر؟ قال: كما يحلف الصبي إذا بلغ مع شاهده في دين (...) في التنبيهات: تأول القاضي إسماعيل شهادة الرسول مطلقا، وقاله ابن عبد الحكم، لأنك اعترفت أنك أمرته بالدفع، فشهد على إقرارك، وقال سحنون: معناه: أن المال في يد الرسول، ولو دفعه ضمن، أوهما حاضران والمال حاضر. ولو أنفقه المبعوث إليه امتنعت الشهادة، لأنه يدفع الضمان عن نفسه، وقال أشهب: تمتنع شهادته إلا أن يكون المبعوث إليه مليا، أو قامت للرسول بينة على الدفع، وأما إن كان معدما فلا، وجعل بعضهم قول أشهب وابن القاسم وفاقا، وأن كل واحد منهما تكلم على وجه. وفي النكت: قال القاضي إسماعيل: معنى قول مالك: قبول الشهادة مطلقا. لأنك وافقت الرسول على الدفع، وإنما خالفت في الوجه الذي به قبضه الآخذ فلم يضمن الرسول، وإنما يضمن أن لو قلت لمن أمرك فإذا ضمنته امتنعت شهادته. قال ابن يونس: وعلل أشهب أيضا بأنه دفع دفعا لم يؤمر به، لأنه أمر أن يدفع على وجه الإيداع فدفع على وجه التمليك فتمنع شهادته، قيل: وإذا غرم الرسول رجع على المدفوع إليه، وإن كان عنده مظلوما، لأنه يقول: الآمر ظلمك واغرمني بسببك إذ لم يجد المال بيدك، كقوله في المودع يأتيه بخط رب المال: أنه دفعه له صلة. أو أنه له. وهو لا يشك أنه خطه، فإذا عدم المودع رجع على القابض، وإن كان يعلم أنه مظلوم، لأنه يقول: ليسك وصل إلى الغرم، قال ابن يونس: ويحتمل أن الفرق بين المسألتين: أن المأمور في الأولى يتحقق تكذيب الآمر وأن المدفوع إليه مظلوم، فلا يرجع إليه، وفي الثانية: لا يقطع بحقيقة كذبه إذ قد يزور خطه ويعرف أمارته، فلهذا يرجع، وعلى أصل ابن القاسم لا يرجع، كالمستحق من يده دابة وهو يعلم أنها تباح عند بائعها، قال ابن القاسم: لا يرجع على البائع بالثمن، وقد اختلف قول أشهب في هذا الأصل، فقال: إذا قال بعثني ربها إليك لأخذها وصدقه ودفع فادعى على ضياعها وأنكرت بعثته حلفت وغرم، لا رجوع له على الرسول، بخلاف ما تقدم له، وابن القاسم يرى له الرجوع ها هنا، لأنه لم يتحقق صدقه. السادسة، في الكتاب: إذا بعثت عبدك أو أجيرك لقبض ثمن ما بعته فقال: قبضته وضاع مني ولم يقم المشتري بينة بالدفع ضمن بخلاف من دفعت إليه مالا ليدفعه فقال: دفعته بغير بينة وصدقه المرسل إليه فيما هو من حقوقه أو وديعة قائمة بيده، وأما ما أقر به وادعى تلفه فلا يضمن، في التنبيهات: حمل ابن حمديس وجماعة الأندلسيين قوله إذا صدقه المرسل إليه لا يضمن إذا كان تصديقه المرسل إليه فيما هو من حقوقه أو وديعة قائمة بيده، وأما ما أقر به وادعى تلفه وجحد القبض فيما ليس حقا له لا يبرأ الرسول إلا ببينة على القبض، وقال ابن لبابة وغيره: لا يضمن مطلقا وهو ظاهر الكتاب وعليه اختصرها أكثرهم، قال ابن يونس: يريد أن المال دين عليه للمرسل إليه فلا يضمن؛ لأنه طلب لك وأما غير ذلك فلا يبرأ الدافع إلا ببينة، وقال بعض الفقهاء في أول المسألة: إنما لم يصدق المشتري إلا ببينة؛ لأنه لك في ذمته ولو كان أصله وديعة لصدق وفي الموازية: لا يصدق لدفعه. السابعة، في الكتاب: إذا أنفقت على الدابة بغير أمر السلطان وشهدت بينة بأنها وديعتك من حين كذا فإن الإمام يبيعها ويقضيك النفقة وإن لم يشهد بها إذا لم تدع شططا، قال ابن يونس: الفرق بين هذه وبين الزوجة تدعي غيبة زوجها أنها أنفقت من مالها على نفسها فلا يقبل منها إلا أن تكون رفعت إلى السلطان أنه لم يترك لها نفقة إن البينة شهدت لها بالوديعة عنده ولم يطلع على نفقتها والزوجة في دار زوجها وموضع ماله، ولو ادعت المرأة أنها أنفقت على دابته من مالها لكان كدعواها النفقة على نفسها؛ لأنها في دار صاحبها، قال القاضي في الإشراف: إذا لم يأمرك بعلف البهيمة لزمك علفها أو تدفعها للحاكم فيتدين (كذا) على صاحبها لعلفها أو بيعها إن كان قد غاب فإن تركها لم يعلفها فهلكت ضمنتها ووافقنا (ش) وابن حنبل، وقال (ح) لا يلزمك علفها؛ لأنه فوض إليك الحفظ دون العلف وجوابه: أن صون البهائم عن تعذيبها بالجوع وغيره حق لله وهو لو فعل ذلك أثم وحق الله تعالى لا يتوقف فعله ووجوبه على إذن الخلق، أو يقول: أنت مأمور بحفظها وهذا منه فكان عليك كما لو رأيتها تتردى في بئر وجب عليك صونها عنه. الثامنة، في الكتاب: إذا قال: أنفقتها على أهلك وولدك وصدقوه ضمن، إلا أن تقوم له ببينة ويشبه نفقة مثلهم، ولم يبعث إليهم بالنفقة لعدم إذنك له في ذلك، ومن تصرف في مال غيره بغير إذنه ضمنه، في التنبيهات: وقع في بعض نسخ المدونة: وقال غيره: إن صدقوه ولم يبعث إليهم بشيء وهي نفقة مثلهم لا يضمن وإن قلت: كنت أبعث إليهم ضمن، قال ابن يونس: ينبغي إذا فرض لهم قاض إذا اعترفت أنك لم تترك لهم نفقة ولا بعثت بها وصدقوه أنه أنفق من الوديعة نفقة مثلهم لا يضمن وإن تقم بينة إذا صدقته الزوجة الكافلة الولد؛ لأنها لو أنفقت من عندها لرجعت بذلك على الزوج، قال أشهب: إذا قلت: دفعت النفقة أو بعثت بها إليهم حلفت على ذلك وعلى وصولها ثم يضمن ولا ترجع على أهلك بشيء إن قال: أمرتني بالدفع أو قال لك: لم أفعل وإلا رجعت على من يلي نفسه بقدر حصته وهذا ما لم يكن السلطان قضى على الغائب بالنفقة فإن قضى لم تصدق في قولك بعثت أو تركت إلا ببينة فيكون الجواب كما تقدم، قال التونسي: لا يحتاج المنفق إلي ببينة إذا صدقه الكافل أو أمهم، أو كانت المتولية للنفقة إذا اقررت أنك لم تبعث إليهم وأخلفت نفقة لأنها لو قالت النفقة من عندي صدقت ورجعت عليك، ولا فرق إلا أن تريد أن الذين قاموا بها سواك فلا يجوز إقرارها عليهم. التاسعة، في الكتاب: إذا استهلكها وادعى أنك وهبتها له وأنكرت صدقت، قال ابن يونس: يريد وتحلف. العاشرة قال ابن يونس: قال ابن القاسم: إذا ادعاها رجلان ولا يدري لمن هي: هي لهما بعد أيمانهما لعدم المرجح لهما أو لغيرهما فإن نكل أحدهما اختصت بالحالف وأما في الدين فيغرم لكل واحد مائة لأنهما مدعيان على ذمتك فلم يتعين شيء يقسم بينهما ولا تعدد في الذمم بخلاف المعينات وقال سحنون: إن تداعيا الوديعة بعد الوفاء، وقال ابنك: لا أدري إلا أن أبي ذكر أنها وديعة توقف أبدا حتى يستحقها أحد بالبينة، وقال فيمن أودعك مائة وآخر خمسين فنسيت صاحب المائة وادعى كلاهما: يتحالفان ويقتسمان المائة والخمسين لعدم مدع غيرهما، وقيل: يغرم لكل واحد مائة بعد أيمانهما، قال محمد: إذا قلت دفع لي فلان مائة لا يصدق بها، وفعلت ثم قلت: بل هو فلان وادعى كل واحد أنه الآمر لك بالصدقة يغرم لكل واحد مائة، قال أشهب: الصدقة نافذة لمن كانت منهما ولا تباعة عليك لموافقتهما لك على الصدقة. الحادية عشرة قال صاحب البيان: قال مالك: أعطتك امرأة وثيقة على زوجها وماتت ولا وارث لها غير زوجها: إن كان عليها دين فلا تعط الوثيقة وإلا أعطاها له بعد الإشهاد لانتقالها إليه فالميراث والوصية كالدين وإذا كان مالها يفي بدينها ووصاياها دفعها إليه بالإشهاد، قال والأولى: وضعها على يدي عدل مخافة طريان دين لم يعلم به، ومراده بالدين: لا يفي به مالها. الثانية عشرة قال: قال مالك: لك عنده عشرة، أخذت منها خمسة فتسلفها وأشهدت عليه ببينة مؤرخة، ثم أخرج براءة غير مؤرخة لا منسوبة للعشرة ولا للخمسة الباقية فقلت: هي من العشرة، وقال: بل من الخمسة تصدق مع يمينك وتكون من العشرة إذا ثبت أصل العشرة؛ لأنه أقر بالأصل والأصل بقاؤه عنده ولم يقر بذلك ولا ثبت ببينة صدق هو مع يمينه لعدم ثبوت الأصل والأصل براءة ذمته. الثالثة عشرة قال: أودعته حنطة فتسلفها فقلت: كان فيها دينار، صدق مع يمينه؛ لأن الأصل براءته وحلفه ليس على علمه بل ما أخذته ولا علمت لك فيها شيئا فإن لم تحقق عليه الدعوى فعلى الخلاف في يمين التهم. الرابعة عشرة قال: قال ابن القاسم: إذا غرم على وديعتك من ظالم يلزمك الغرم؛ لأنه مصيبة نزلت به وقيل يرجع عليك؛ لأنه غرم بسببك كالشاتين المأخوذتين في الخلطة عن مائة وإحدى وعشرين لإدخال الضرر وهذا الخلاف إنما هو فيما لم يعلم به أما إذا علمت أن بالطريق مكانا يقوم الناس على المتاع فلا ينبغي جريان الخلاف بل يتعين الغرم عليك لأنك كالآذن فيه وكذلك إن صانع بعض الرفاق اللصوص عن الرفاق وعلم ذلك بذلك الموضع لزم الغرم من حضر ومن غاب ممن له متاع في تلك الرفقة وعلى صاحب الظهر ما ينوبهم وإن كان يخاف أن ذلك لا ينجي لم يرجع على الغائب قاله كله سحنون. الخامسة عشرة قال: قال مالك: إذا حمل القمح الوديعة إلي بلد ليبيعه لم يكن لك أخذه منه إلا بموضع الاستيداع، وكذلك السلف والسارق نفيا لضرره بتضييع الكراء عليه، وقال أشهب: يخير بين عين طعامك أو مثله في البلد في السرقة والوديعة لأن الضرر يجعل لك بالنقل فيخير ويقدم عليه لأنك صاحب الحق والقول الثالث: تفريقه، أصبغ: بين البلد القريب فيوافق، أشهب: فيوافق ابن القاسم قال: والظالم يحمل بعض الحمل قاله في السرقة والوديعة مثلها، وفرق ابن القاسم بين الطعام فقال: ما تقدم وبين العروض والحيوان والرقيق الذي لا يحتاج إلى كراء من بلد إلى بلد والدواب لك أخذها حيث وجدتها، والرقيق المحتاج للكراء والبز العروض يخير فيها لأنها عين شيط كذا وقيمتها في موضع الأخد منك نفيا لضرر الكراء عنك، وسوى أشهب بين التخيير بين أخذ الطعام أو مثله في موضع القبض وقيمة الحيوان والعروض في موضع الأخذ يوم الأخذ وفرق أصبغ فقال في الطعام بقول ابن القاسم فليس لك إلا طعامك بموضع الأخذ إلا أن يكون قريبا كما تقدم وفي العروض والحيوان بقول أشهب، وفرق سحنون بين الطعام فقال بقول ابن القاسم وفي العروض والحيوان فقال: ليس لك إلا أخذ متاعك في الموضع الذي وجد فيه فيتحصل في العروض والحيوان ثلاثة أقوال: قول سحنون وقول أشهب وتفرقة ابن القاسم بين ما يحتاج للكراء وما لا يحتاج، وفي الطعام ثلاثة أقوال: قول ابن القاسم والتخيير وتفرقة أصبغ بين القريب والبعيد. السادسة عشرة قال: قال مالك: إذا قلت: نقصت وتداعيتما للسلطان فيقول لك: أنا أسافر فلا تشغلني، فتركته قال: عندي شيء وإنما قلت ذلك لئلا تشغلني عند السفر، يغرم لك كل ما حلفت عليه؛ لأن اليمين وجبت له عليك بردها عليك ولو قال: دعني أسافر فإن لم يرجع إلي وقت كذا وأنت مصدق مع يمينك لم يلزم ذلك؛ لأنه مخاطرة بخلاف الأول فرق بين الوجهين مطرف وأصبغ وهو قياس قول ابن القاسم في المدونة في الكفيل يقول: إن لم يأتك غريمك بحقك إلى أجل فأنا ضامن للمال، لا يلزم ذلك قال ابن عبد الحكم: لا يلزم المستودع إن ذلك رد لليمين وإن ذكره على غير وجه الشرط ويحلف ويبرأ، وإن نكل حلفت وأخذت تمام وديعتك ولو رد اليمين بدون سبب لزم قولا واحدا، وإنما يختلف إذا نكل ولم يصرح بردها عليك قبل قال لا أحلف فهل له الحلف بعد ذلك قولان، وقال ابن سحنون: إنما يصح هذا الجواب إذا كانت الوديعة ببينة أو على رأي من يرى اليمين على المودع فلزمه ذلك ولم يكن له عنده رجوع قال وهو باطل؛ لأنه لا خلاف في وجوب اليمين على المودع في دعوى النقصان وإن لم يكن على الوديعة بينة، ولا أن الغرم يلزمه إذا حلف رب الوديعة إذا كانت عليها بينة. السابعة عشرة قال: قال ابن القاسم: إذا أودعته عشرة دنانير وبين يديه عشرة فوضعها بإزائها فضاعت خمسة ولم يعلم من أيهما فعليه لك عشرة، قال: يريد أن عشرة الوديعة التبست ولو علمت لعرف النقص بوجودها ناقصة. قال: وجوابه هذا مبني على إن القليل إذا قال عندي وديعة لفلان أو لفلان: أنه يغرم لكل واحد مائة، وعلى القول بأنهما يحلفان ويقسمان المائة إذا ادعيت العشرة الكاملة أخذتها قيل: بيمين وقيل: بغير يمين على الخلاف في يمين التهم، وإن قلت: لا أدري فمصيبة الذاهب منكما ويقسمان الباقي نصفين بغير يمين وقيل: بعد حلف كل واحد منكما: إنه لا يدري وكذلك إن نكلتما والخلاف في اليمين على الخلاف في يمين التهم. الثامنة عشرة قال: قال ابن القاسم: إذا أودعك دينارا وعندك عشرة فضاع ديناره ولا يعلم حاله فلك تسعة ويقسمان العاشر نصفين؛ لأن التداعي إنما وقع فيه، وأما التسعة فسلمت لك، وعن مالك أنه شريك أودعك ثلاثة فضاع اثنان لكان لك ثمانية وله دينار وتقسمان الدينار الباقي بينكما نصفين ولو ضاع ثلاثة لكان لك سبعة وتقسمان الثلاثة الباقية نصفين وعلى قول مالك يقسمان الأحد عشرة إن ضاع اثنان أو العشرة إن ضاع ثلاثة على ثلاثة عشر جاز، وكذلك إذا تداعى الرجلان شيئا فيقول أحدهما: لي عشرة، والآخر لي جميعاً على هذا الخلاف إذا لم يكن في يد أحدهما أبقا (كذا) واختلف إذا كان بيدهما جميعا، فقيل: يجري على الخلاف بعد أيمانهما لأن استواء الأيدي لعدم الأيدي وقيل: يصدق مدعي العشرة مع يمينه؛ لأنه حائز النصف فعلى من أدعى عليه أن له الأكثر من النصف إقامة البينة. التاسعة عشرة قال: قال ابن القاسم: إذا أودعته وقلت له: من أتاك بأمارة كذا فأعطه لا يعلم الأمارة غيركما، ففعل ومت، فقال: ورثتك، للقابض بالأمارة مالنا فقال: صنعت به ما أمر به مورثكم، فيحلف على ذلك وأنه لم يتعد غير ما قاله المورث ويبرأ، قال: وفي هذا نظر والقياس أن يسأل القابض بالأمارة عما أمره المورث به، فإن من الأشياء ما لا يصدق المأمور أنه فعله، فإن ذكر ما يصدق صدق بيمينه وإلا صدق مع يمينه في أنه أمره، ولا يصدق في أنه فعله إلا ببينة، هذا إذا لم يعلم الوارث ما أمر به المورث، أما لو علم نزل منزلة موروثه في الدعوى، ويكون القابض مدعيا فيما زعم أنه أمره به فكذبه فيه الوارث فلا تصح هذه المسألة أن يكون القابض بالأمارة لم يعلم إلا من قبله، وهو المخبر بجميع ذلك للوارث، فليس عليه حينئذ أن يبين الوارث مصرف المال؛ لأنه لو أراد أن لا يقر بشيء لفعل. العشرون، قال: قال ابن القاسم: إذا أودعته ثم أشهدت أن الوديعة صدقة على فلان، ولم تأمره بأن بعض للمتصدق عليه، ثم مت، فإن علم بذلك المستودع فهي للمتصدق عليه، وإلا فلا شيء له؛ لأن لعلمه سارقا بضالة (كذا) حتى لو طلبتها بعد ذلك منه حرم عليه دفعها لك ولو دفعها ضمنها قال: وهذا خلاف ما في المدونة فإنه لم يشترط العلم بل جعل قبض المخدم والمستعير قبضا للموهوب، ويتخرج فيها قول ثالث قياسا على ارتهان فضلة الرهن الحيازة لا تصح حتى يعلم المستودع ويرضى أن يكون حائزا للموهوب إلا أن يفرق بأن حيازة الرهن أشد منها في الصدقة، وقاله مالك، وهذه الأقوال إنما تجيء إذا قبل الموهوب له الهبة، وإلا فلا شيء على المستودع في ردها قبل قبوله وعلمه بها إذا كان الموهوب له حاضرا وأما الغائب فتصح حيازة المستودع له، وإن مات الواهب قبل القبول، وسواء عند مالك وابن القاسم كان الشيء الموهوب بيد الواهب أو بيد الحائز، وعند أشهب: إن كان بيد الموهوب له صحت الهبة، وإن لم يقبل حتى مات الواهب؛ لأن كون ذلك في يده أشد الحوز. الحادية والعشرون، قال: قال ابن وهب: إذا بعث بها إليك فعدا عليها عاد فقلت: لم آمرك ببعثها، وقال: أمرتني فهو ضامن لتعديه، ويحلف: ما أمرته بذلك ولقد تعدى عليك في البعث، فإن ادعى الرد إليك بنفسه فعليه اليمين اتفاقا وإن أدعى التلف حلف على الخلاف في يمين التهم وقيل: إن كان من أهل التهم أحلف وإلا فلا وهو المشهور، وأما إن حقق عليه الدعوى فعليه اليمين اتفاقا، وله ردها. الثانية والعشرون، قال: قال ابن القاسم: إذا قال: ضاعت من سنين وكنت أطلبها وأرجو وجودها، ولم يسمع ذلك منه وأنت حاضر، ولم يذكر ذلك لك: صدق ولا يضمن؛ لأنه أمين إلا أن يكون قد طلبت منه فأقر أنها عنده ثم ادعى الضياع قبل ذلك، وكذلك القرض، وضمنه أصبغ في الأول؛ لأن سكوته وأنت حاضر وطول الزمان وفيه قال: وقول ابن القاسم أظهر؛ لأنه أمين. الثالثة والعشرون قال: قال أصبغ: إذا قال: لا أدري أدفعتها إليك أم ضاعت مني صدق ولا يضمن؛ لأنه أمين إلا أن يقبضها ببينة فيضمن ويحلف في القسم الأول: لقد دفعها أو تلفت، ولو قبضها ببينة وادعى الضياع بعينه صدق ولا يضمن، ولو قال: لا أدري موضع دفنها، ضمنه ابن القاسم لتضييعه بكونه لا يدري موضع دفنها إلا أن يقول دفنتها حيث يسوغ له دفنها فلم يجدها بذلك الموضع فلا يضمن، كما لو سقطت منه وفي إعذاره بنسيان موضع الدفن خلاف، وهاهنا لم يجعله عذرا. الرابعة والعشرون، قال صاحب الجواهر: إذا طلب المودع عند الرد أجرا على حفظ الوديعة لم يكن له؛ لأن الأمانة إحسان لله تعالى كالصدقة إلا أن يكون ممن يشغل منزله فيطلب أجرة منزله الذي كانت فيه فذلك له؛ لأن الأصل عدم انتقال ملكه عن الأعيان والمنافع إلا بعوض وإن احتاجت إلى غلق أو قفل فعلى صاحبها؛ لأن الأصل عصمة ماله كما تقدم. الخامسة والعشرون، في الكتاب: إن جحدك وديعة أو عرضا أو غيره وصار له بيدك مثله بإيداع أو بيع أو غيره لا ينبغي أن يجحده لقوله صلى الله عليه وسلم: أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك. قال صاحب المقدمات: الخيانة حرام غير أن في هذه المسألة خمسة أقوال: المنع، والكراهية، والإباحة، واستحباب الأخذ، قاله عبد الملك، كان عليه دين أم لا، والتفرقة: إن لم يكن أخذ وإلا فيما يجب في المحاصة فقط، قاله مالك، وزاد ابن نافع: إن أمن أن يحلف كاذبا فأن يقبل منه أن يحلف: ما له عندي حق على ما روى أصبغ، وقال ابن شعبان: يحلف ما له عندي وديعة ولا غيرها، بخلاف الحقوق الثابتة في الذمة؛ لأن الوديعة لا تلزم ذمته إلا بالتفريط، وما لا يلزم يحلف على أقل ما يبرئه منه، وكذلك كان يأخذ الوديعة إياس بن معاوية، زاد ابن شعبان: ولا وجب له في ذمتي حق بسبب الوديعة التي يذكرها، مخافة أن يكون فرط فيها فوجبت في ذمته فيصدق ماله عندي وديعة؛ لأن المستحق قيمتها أو مثلها وعند (ش) يأخذ كان عليه دين أم لا غير أنه لا يتملك غير جنس حقه، بل يتبعه ويأخذ منه جنس حقه، قال: وأظهر الأقاويل: إباحة الأخذ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة لما شكت إليه أن زوجها أبا سفيان لا يعطيهما من الطعام ما يكفيها وولدها: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف، فقوله بالمعروف أي لا تزد على ما تستحق وهو المراد بقوله ولا تخن من خانك؛ لأن آخذ حقه ليس بخائن بل امتثل أمره لهند فلا تتعارض الأحاديث مع أن سبب الحديث السؤال عن وطء امرأة ائتمنه عليها رجل قد كان هو ائتمنه على امرأة فخانه فيها ووطئها، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن مقابلة الزنى بالزنى والاحتجاج لأصح قولي مالك بهذا الحديث؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقيل: إذا جحدك ذهبا فوجدت له دراهم أو عروضا لم يكن له أخذه ولا بيعه بمثل ما كان لك؛ لأنه لم يوكلك على ذلك، قال: وبه أقول قال ابن يونس عن مالك: لك عليه دين بلا بينه فهلك وليس عليه غيره، وله عليك حق مثله بلا بينة، قال مالك: لا تجحد ما عليك وتحتسب مالك، وإن جحدك فلا تجحده، وقال ابن عبد الحكم: لك جحده ولا يضرك الحلف؛ لأنه كالمكره على اليمين في أخذ ماله، وقال ابن القاسم: يحنث إلا أن يؤدي ذلك إلى ضربه وسجنه، قال اللخمي: الصواب أن لك جحده ووديعته في حقك، وإن كان له غرماء إذا كانوا عالمين بفلسه، فتركوه يتصرف في البيع والشراء، ويقضي وشكوا في حاله فتركوه، وإن كان ظاهر اليسار أخذت ما يخصك، وإن كانت الوديعة عرضا جاز بيعها وأخذ ثمنها فيما لك عليه، ومنعك مالك أن تحلف: ما أودعك، وقيل: تحلف: ما أودعني أي وديعة يلزمني ردها، ينوي ذلك، وفي الجواهر: مراد الشيخ أبي الوليد بقول التحريم رواية المدونة. قاعدة: تصرفات رسول الله صلى الله عليه وسلم تقع بالفتيا؛ لأنه سيد العلماء الأعلام وبالقضاء؛ لأنه حاكم الحكام الحاكم وبالأمانة؛ لأنه الخليفة على الخاص والعام وتقع تصرفات يختلف العلماء من أي الأبواب الثلاثة هي حتى يشترط فيه حقنا شروط ذلك الباب كقوله من قتل قتيلا فله سلبه قال (ش): هو تصرف بالفتيا فيعم الخلائق كالصلاة، ولا يحتاج ذلك إلى إمام يأمن له؛ لأن غالب تصرفاته عليه؛ لأنه رسول والمسألة أصل تصرفه وهو كلام حق وقد تقدم الجواب عنه في الجهاد، وقال مالك: هو تصرف بالإمامة وما كان بتصرف الإمامة لا يثبت إلا بتشريع الإمام له في كل حادث كالحدود والتعازير لا يتوجه ولا يثبت إلا بإمام وكقوله صلى الله عليه وسلم: من أحيى أرضا ميتة فهي له. قال (ح): هو تصرف بالإمامة فلا يحيي أحد إلا بإذن الإمام، وقال (ش) ومالك: هو بالفتيا فمن أحيى ملك؛ لأن شأن الفتيا لا تفتقر إلى الإمامة ولحديث هند قال مالك: وهو تصرف بالقضاء فليس لأحد أن يأخذ مال غريمه المعجوز عنه إلا بإذن القاضي، وقال (ش): هو من باب الفتيا فيجوز لمن ظهر الأخذ مطلقا، قال الخطابي: كان ذلك قضاء بعلمه فإنه كان يعلم حال أبي سفيان فقضى عليه، وهذا التقدير فتيا؛ لأنه لم يسمع من أبي سفيان جواب المدعى عليه، والقضاء لا بد فيه من ذلك فتتعين الفتيا، وبهذه القاعدة يحتاج لمالك رحمه الله إلى جواب عن القضاء بالعلم فاعلم ذلك. قاعدة: تتخرج عليها مسائل هذا الفصل في التنازع المدعي: من كان قوله على خلاف أصل أو ظاهر، والمدعى عليه: الذي يحلف ويصدق مع يمينه، وتكون البينة على خصمه من كان قوله على وفق الأصل، كقولك: لي عنده دينارا، فيقول: لا، فقوله على وفق الأصل؛ لأن الأصل براءة ذمته، وقولك على خلاف الأصل فعليك البينة، أو كان قوله على وفق الظاهر كقول الوصي: أنفقت المال، ومثل اليتيم لا يحتاجه، فإنه مدع عليه البينة؛ لأنه على خلاف الظاهر، وقول طالب المال على وفقه، وكذلك قابض الوديعة ببينة الظاهر أنه إنما يرد ببينة فإذا ادعى خلافه فهو خلاف الظاهر فعليه البينة، فليس كل طالب مدعيا يحتاج للبينة وليس كل مطلوب منه مدعى عليه يصدق مع يمينه كما تقدم، وبعض الأصحاب يقول: المدعي أضعف المتداعيين سببا والمدعى عليه أقوى المتداعيين سببا، ومراده ما ذكرته. العاقبة الثانية: للوديعة الضمان عند التلف، وفي الجواهر: لا يلزم الضمان إلا عند التقصير، وللتقصير سبعة أسباب، السبب الأول أن يودع عند غيره أو يرسلهما معه وفيه ثمانية فروع. الفرع الأول في الكتاب: إذا دفعها لامرأته أو خادمه ليرفعه في بيته، ومن شأنه أن يدفع له أو غيره أو جيره (كذا) الذي في عياله لم يضمن؛ لأنه شأن الناس، ويصدق أنه فعل ذلك وإن لم تقم له بينة، ووافقنا (ح) وابن حنبل، وقال (ش): إن أودع عندهم بغير إذن المالك ضمن، إلا أن يستعين بهم بحيث لا يغيب عينها عن عينه قياسا على الأجنبي، ونقض ما ذكرناه بما إذا أودع عند من شاء أن يودع عنده. والجواب عن الأول: أنه علم بالعادة أن الوديعة لا يزيد في حفظها على حفظ ماله، وهذه العادة مطردة في العيال في مال نفسه بخلاف الأجنبي، فإنه ليس معلوما عادة حتى يقضي بها. والجواب عن الثاني: أن الذي عادته أن يودع عنده مشتغل بنفسه، ولم يأذن فيه المالك وعياله آلة له كصندوقه، فما خرجت عنه بخلاف الأجنبي، وفي النكت: لما كان العرف الدفع إلى هؤلاء بغير إشهاد كان كشرط الدفع بغير إشهاد كما يقول في الرسول يشترط الدفع للمرسل إليه بغير بينة، ويحلف المودع عنده: أنه دفع لامرأته إذا أنكرت، وكان متهما وإلا فلا يمين عليه، فإن نكل غرم، وله تحليف امرأته، فإن نكل وهو معين فلصاحب الوديعة تحليفها، كانت متهمة أم لا؛ لأنه يقوم مقام الزوج في مطالبتها بالغريم، كغريم الغريم، قال بعض الشيوخ: لو لم يكن شأنه الدفع لامرأته أو أمته لقرب عهده بالزواج أو الشراء في الأمة أو لأنه لا يثق بهما في ماله ضمن؛ لتغريره، وظاهر الكتاب يقضيه، قال ابن يونس: يظهر أنه يحلف كان متهما أم لا إذا أنكرت امرأته؛ لأن هاهنا من يدعي تكذيبه، كما إذا أنكرت أنت الدفع إليك وادعاه فإنه يحلف كان متهما أم لا، فإن حلف لكونه متهماً فنكل غرم، وضمنه أشهب في وضعهما عند غيره كان في عياله أم لا، قال صاحب البيان قيل: قول أشهب ليس بخلاف، ومعناه: إذا كانت العادة عدم الدفع للعيال فكل واحد من ابن القاسم وأشهب تكلم على وجه، وإنما يختلفان إذا جهل العرف في البلد والأظهر: أن قول أشهب خلاف، فيحصل في المسألة ثلاثة أقوال: ثالثها الفرق بين أن تكون العادة الدفع أم لا، ولو كان الرجل لا يدفع لأهله ماله لضمن، فإن كان عادة الناس الدفع قولا واحدا. الفرع الثاني في الكتاب: إذا أراد سفرا أو خاف عورة منزله، ولم يجدك حتى يوحيها (كذا) إليك: أودعها ثقة. ولا يعرضها للتلف، ولا يضمن لك إلا إن فعل لغير هذا الذي يعذر به، ولا يصدق في إرادة السفر وخوف عورة المنزل، حتى يعلم ذلك، وإن أودعته في السفر فأودعها في السفر ضمن، لدخولكما معا فلا يغيراه، ووافقنا (ش) في أنه لا يسافر بها، وقال: يسلمها لوكيلها أو الحاكم أو ثقة في البلد، فمهما أمكن ذلك ضمن بالسفر وإلا فلا، وقال (ح) وابن حنبل: له السفر بها إن كان السفر غير مخوف ولم ينهه عن السفر، كما لو نقلها من بيت إلى بيت مثله غير مخوف، وجوابها: أن السفر مظنة الهلاك لقوله صلى الله عليه وسلم: المسافر ومتاعه على فلت إلا ما وقي الله. ولأنه إذا أودع عند غيره ضمن؛ لأن العادة شهدت بأنك أذنت له بالحفظ بنفسه دون التوكيل، كذلك شهدت العادة أنك إنما أذنت في الحضر دون السفر. فائدة: الفلة: الهلاك، وفي النكت: إذا كان المنزل مسورا وأنت عالم به، فأودع لغيره ضمن لدخولك على ذلك، كما إذا أودع في السفر إلا أن يزداد العوار، أو يزداد خوفه كلصوص عاينتهم، فتدفع الوديعة لمن يهرب بها ونحوها؛ لأنه غير ما دخلت عليه، والفرق بين المودع لا يودع غيره، والملتقط يدفع اللقطة لمن هو في مثل حاله يحفظها وإن كان الجميع أمانة: أن المودع0 رضي أمانته دون غيره، والملتقط لم يعلم فيكون له رضا معتبر، بل مقصود بالحفظ فقط، والأول والثاني سواء في هذا المقصود، وليسا مستويين في مقصود المودع فافترقا، وفي الجواهر: إذا أودع عند غيره تعديا ثم ردها برئ من الضمان بعد ذلك كرده لما يتلف. الفرع الثالث إذا رد الوديعة أو القراض مع رسوله ضمن إلا أن يكون أمره بذلك، ولو أودع عند غيره لغير عذر ثم ردها لم يضمن كرده لما تسلف منها، ووافقنا الأئمة في أنه لا يودع لغيره إلا من عذر، وعن (ح) الضمان على الأول، وخيرك (ش) في تضمين الأول والثاني؛ لأن الأول متعد بالتفريط والمخالفة والثاني بوضع اليد، ووافقنا (ح) في البراءة من الضمان بالرد وخالفنا (ش) وابن حنبل؛ لأن عندهما بالضمان، صار جانيا فسقطت أهليته للحفظ فلا يبرأ من الضمان إلا بالرد لك أو لوكيلك. لنا أنه مأمور بالحفظ في سائر الأزمان فلا يسقط الإذن من الزمان الثاني، ولا يتغير حكمه كما لو أفطر يوما من رمضان لا يسقط الأمر بصوم يأتيه، فكالوكيل يلبس الثوب الموكل على بيعه، وأجابوا عن الأول بأن أمر المودع مقيد بالعرف، فكأنه قال له: احفظ ما دمت أمينا، بخلاف الصوم فإن العادة أن يستودع الأمين فهو كالصوم المقيد برمضان لا يتعدى لغيره، وعن الثاني: الوكالة تتضمن أمانة وتصرفا، فإذا بطل أحدهما بقي الآخر. الفرع الرابع في الكتاب: إذا جاء من يزعم أنك أرسلته لقبضها فصدقه ودفع فضاعت، ضمن الدافع ورجع على القابض منه، قال اللخمي: ليس على المودع أن يسلم الوديعة بأمارة المودع ولا بكتابة، وإن اعترف أنه خطك إلا أن يثبت الرسول عند الحاكم أنه خطك؛ لأنك لو كنت حاضرا لم يكن لك أخذها حتى يشهد له ممن يريد من حقه الإبراء، قاله محمد والشهادة على القبض لا تبرئه إذا حجدت إلا أن يعترف أنك وصيته بذلك فرضي به، فيلزمه ما رضي به فإن وصيت أن يدفعها إلى الرسول بغير أمارة ولا كتاب والوديعة عين وهو موسر جاز رضاه بذلك، وإلزم ذلك، فإن أنكرت ذلك غرم المثل فلا ضرر عليك، وإن كانت عرضا أو غير مثلي أو عينا وهو معسر امتنع رضاه نفيا لضررك، وإذا دفع بأمارة أو كتاب من غير ثبت أيقول (كذا) الرسول خاصة، فالقول قولك مع يمينك في نفي ذلك ويتخير بين إغرام الرسول أو المودع، ولا يرجع الرسول عليه إن غرم، فإن أغرمت المودع: فعند ابن القاسم في المدونة: يرجع على الرسول؛ لأنه قبض ولم يثبت استحقاقه، ومنع أشهب؛ لأنه صدقه. الفرع الخامس قال صاحب البيان: يجب الإشهاد إذا استودعها عند غيره لضرورة وهو ضامن إلا أن تقوم بينه على أنه أودعها عند غيره، ويعلم السبب المقتضي لكونه يبيح له الإيداع عند الغير، فإذا علم السبب فالقول قوله. الفرع السادس قال أشهب: إذا قلت: أودع مالي عندك، فقال لك: ادفعه لعبدي فدفعته فاستهلكه العبد هو في ذمة العبد وإن كان السيد غرك، ولا يكون ذلك في ذمة العبد بإقراره حتى تشهد بينته باستهلاكه قاله ابن عبد الحكم، وقيل: يضمن السيد إذ غرك على الخلاف، فالغرور بالقول، وإذا ضمن السيد بيع ذلك العبد وغيره من ماله. الفرع السابع قال صاحب النوادر: إذا قلت للحاكم: أودعت هذا وأمرني المودع أن أسلمه لورثة فلان بأمرك، قال سحنون: إذا ثبت عند الحاكم الورثة كتب إليك أنك ذكرت أن فلانا أمرك بدفعه إلى فلان بأمري وإني أمرتك أن تدفعها إليهم بعد أن ثبت عندي أنهم ورثة فلان. الفرع الثامن قال: قال محمد: إذا أودعت ثم أقررت أنها لزيد الغائب فلك قبضها ممن أودعتها عنده بالحكم، ولا يمنعك إقرارك قبضها في غيبته؛ لأنك الذي أودعتها لأنه لم يعلم إلا من قبلك ولم يظهر تعديك، ولذلك ما أودعته عند سفرك من وديعة أو ما وكلت عليه لك قبض الثمن، ولو قدم صاحب الوديعة فطلبها منك وأنت مقر أن من أودعها عندك ذكر أنها لهذا الطالب فلك منعه إلا بشاهدين على إقرار مودعها بذلك؛ لأنك لا تبرأ منه إن جحدك إلا بهذا أو يقوم شاهد معك فيقضي له السلطان بها أو بشهادتك مع يمين طالبها وإن لم يقض له بشيء، ثم قدم الذي أودعكها وقد غاب ربها فعليك دفعها إليه، وإن علمت أنها لغيره، وكذلك لو كانت دارا فدفعتها إليه فهدمها وأتلف بعضها فلا ضمان عليك إن جاء ربها؛ لأنك غير متعد في فعلك، وكذلك لو أقررت أنه أمرك بدفعها إليه أو يرفع حوالة عليك. السبب الثاني: نقل الوديعة وفي الكتاب: إذا خرج الوصي بالتركة إلى بلد الوارث؛ لأنه كتب إليه فلم يأتها (كذا) خبر ضمنها من حين خروجه بغير أمر الوارث، وفي التنبيهات: خرج بعض الشيوخ الخلاف في هذا من خلاف لأصبغ في توجيه القاضي مال اليتيم في كتاب ابن حبيب، ولمالك في الموازية في الأوصياء في المبضع تحدث له إقامه فيبعث بالمال لربه ولا يضمن، وفي المدونة: ذلك أيضا في المستأمن يموت عندنا ويترك مالا، وفي الجواهر: إذا نقل جرة الزيت في بيته من موضع إلى موضع فانكسرت لا يضمن، بخلاف لو سقط عليها شيء من يده فانكسرت أو رمى في بيته شيئا غيرها فأصابها ضمن؛ لأنها جناية لم تتعمد، قال أشهب: ولو سقطت من يده لم يضمن. سؤال: كما أذن له في نقل الوديعة في منزله أذن له بالتصرف في منزله بشيل متاعه في يده فهلكت الوديعة في الصورتين بأمر مأذون فيه فلم يضمن في أحدهما دون الآخر. جوابه: الإذن في تحويلها في أركان بيته من قبل صاحب المال فاعتبر إذنه في عدم تضمين ماله، وحمل متاعه في بيته ليس من قبل رب المال بل من قبل الشرع، وإنما يسقط الضمان إذن أرباب المال؛ لأن من فتح بابه فأتلف مالا بذلك ضمنه مع حصول الإذن الشرعي في الفتح، ومن أكل ضيافة إنسان لم يضمنها لحصول إذن المالك، وأما نقل الوديعة من بلد إلى بلد فليس فيه إذن المالك ولا غيره فلا جرم ضمن، فهذه فروق هذه الفروع. السبب الثالث: خلط الوديعة وفي الكتاب: إذا خلط الدراهم فضاع الجميع لم يضمن، أو بعضه فما ضاع ضمنه وما بقي بينكما؛ لأن دراهمك لا تعرف من دراهمه، ولو عرفت لكانت مصيبتها دراهم كل واحد منه، وكذلك الحنطة إذا خلطها بمثلها للاحتراز والفرق أو بحنطة مخالفة لها أو بشعير ثم ضاع الجميع ضمن؛ لأن هذا الخلط فوت، فإن فعل ذلك صبي فهي ماله، فإن لم يكن له مال ففي ذمته لك مثل حنطتك وله مثل شعيره لتعديه عليكما، ولك ترك الصبي ومشاركته في المختلط بقدر قيمته طعامكما بعد العلم بمكيلته؛ لأنه عين ماليكما فلكما أخذه وليس لأحدكما أن يعطي الآخر مثل طعامه ويبقى له المخلوط؛ لأنه بيع إلا أن يكون هو المتعدي؛ لأنه حينئذ قضى ما لزم لا بيع، في التنبيهات: يريد بالاحتراز خلطهما لفرق من جهة الكراء، واضبط للحفظ، فإن خلط لغير هذا من بعد أو أخذهما لنفسه ضمن، والطعام والدراهم في هذا سواء، وقوله: لو عرفت الدراهم لكانت مصيبة كل واحد منه يدل على أنها مختلفة وإن خلطها بالمخالفة لا يضمن؛ لتمييزها، وكذلك يجب في الدراهم بالدنانير، ومنع سحنون رضاكما بالشركة في الحب المخلوط كما يمتنع خلطكما لذلك ابتداء لغرض الشركة، واختلف في تفسير شركة الكتاب ففسره سحنون: بأنه يزيد بقيمة ما لكل واحد غير مخلوط؛ لأنه الذي طرأ عليه العدوان؛ لأنه الواقع في المال المشترك وقيل: بقيمة القمح معيبا فما خلطه به من الشعير مجردا إذ لا يعيبه القمح، قاله سحنون، قال: وتحقيق ذلك على مذهب ابن القاسم: إذا بيع المخلوط اقتسما الثمن على قدر قيمة كل واحد منهما، وقال أشهب: يشتركان بالكيل لا بالقيم؛ لأن كل واحد منهم بدل نصف طعامه بنصف طعام الآخر، والكيل سواء ولم يجره على القيم؛ لأنه عنده كابتداء الشركة على خلط النوعين وذلك لا يجوز، وقال الأئمة: خلط المثلي إذا لم يتميز فوت، كان بالجنس كالحنطتين أو بغير الجنس كدهن الورد بالزيت، ومنع من الشركة لتقرر ملك المودع على الجميع بالضمان، وقال (ح): إذا اختلطت بماله بغير فعله لم يضمن؛ لأن الاستدلال ليس من جهته وتعينت الشركة. لنا: أن الملك يجب استصحابه بحسب الإمكان، والشركة إبقاء للملك الأول بحسب الإمكان. قال ابن يونس: قال محمد: لا يجوز أن يقتسما الطعام بينهما على قيمة الطعامين بخلاف الكيل؛ لأنه ليس ببيع فينتقلان في الأول عن كيل معلوم إلى قيمة مجهولة وأجازه ابن القاسم لتعديهما في قيمتهما بالخلط ولو كان المالك لهما جائز الأمر ليس بصبي امتنع رضاكما بالقسمة؛ لأنه يقول لكما على قمح وشعير غير مختلط فليس لكما أن تأخذا مني غير ما وجب على فلو ضمنه أحدكما مثل طعامه وطلب الآخر الشركة امتنع؛ لأن نصيب المضمون صار للمتعدي فالمشارك يأخذ منه قمحا وشعيرا عن قمح بغير رضا ربه، وجوز أشهب أن يعطي أحدهما مثل طعامه ويأخذ جميع المخلوط من غير التعدي، ورضيا قبل أن يفترقا، قال اللخمي: قال عبد الملك: إذا خلطهما بما يتميز وهو قليل لم يضمن أو بعظيم حتى أشهر الوديعة ضمن قاله في النقدين، وإذا خلط القمح بمثله ضمنه عبد الملك خلافا للمدونة؛ لأنه مما تختلف فيه الأغراض، فعند بعض الناس هو غير مثله، وقد منع ابن القاسم الشريك في الطعام من مقاسمة من ثمنه حتى يقاسمه السلطان، وقسمة الصبرة الواحدة أقل اختلافا في الأغراض من خلط الطعامين، ومعلوم من الناس كراهة خلط زيت أحدهما بزيت غيره، وقمحه بقمحه وإن كان المودع غير مأمون فأبين لاتهامه في الخلط بالدون في اعتقاده، وإذا خلط الطعام أو الدراهم بمثلها فضاع بعض ذلك فهما شريكان في الباقي على قدر ما لهما، ويتفق مالك وابن القاسم في هذا وكذلك مسألة (كذا) لأنهما كانا شريكين قبل الطعام فيكون الضياع بينهما كما لو كان صاحب الوديعة هو المشارك له فيها، وكذلك مسألة الدينار يختلط بدينار لغيرك لو نظر إلى الذي اختلط فيها قبل الضياع فلم يوجد، ثم ضاع منها شيء اشتركا في جميعهما على قدر مال كل واحد منهما على القولين جميعا، وإذا ضمن أحدهما المتعدي وطلب الآخر البقاء على الشركة جاز على قول أشهب إذا كان المضمن هو صاحب الشعير؛ لأن صاحب القمح يكون شريكا بقفيز قمح معيب ولو أنه صاحب القمح لم يكن لصاحب الشعير المشاركة بالنصف؛ لأنه يأخذ الفضل من حقه إلا أن يرضى بذلك المتعدي ويجوز على رأي ابن القاسم وطلقا (كذا) أيهما ضمن؛ لأن الشركة على القيم، وعليه يقتسمان الثمن بجعلهما إذا رفعا العداء كاختلافهما بأمر من الله، وكأنهما لم يختارا تضمينه قط كخلط الربح أو الدابة له، فالشركة على القيم القمح معيب، والشعير غير معيب وتمتنع قسمته على القيم؛ لأنه ربا. ولو سقط ثوب في صبغ صباغ وقيمة الثوب ديناران وقيمة الصبغ دينار خيرتما في الشركة فيه على الثلث والثلثين، أو بقي كل واحد منكما على ملكه، فإذا بيع اقتسما على قيمة يوم البيع وإن نقص الصبغ أو نزل السوق يوم البيع اشتركتما بقيمته يوم البيع. وقال أشهب في الطعامين: إنكما ملكتما التضمين، فإنما تأخذان ذلك عن الواجب في ذمة المتعدي فلا يجوز إلا على التساوي، كما لو كان ذلك لكما في ذمته من غير تعدد فإن أردتما بيعه جاز؛ لأنه بيع نصف قفيز قمح بنصف قفيز شعير جائز، ولم يجبر أحدكما على تسليم جميعه، ويأخذ مثل نصيبه لئلا يباع عليه ملكه جبرا، وفي النوادر قال عبد الملك: إذا أودعت عنده ثلاثة دنانير وآخر دينارين وآخر دينارا فخلطهما وذهب منها دينار فلك من الخمسة الباقية ثلاثة إلا ربع ولصاحب الاثنين اثنان إلا ربع وللآخر نصف دينار؛ لأنه لا يدعي من الخمسة إلا دينارا فيعزل، وتبقى أربعة فيدعي منها صاحب الاثنين اثنين فيعزلان، فتبقى اثنان لا يدعيهما إلا صاحب الثلاثة فيأخذهما، ثم يرجع إلى الثلاثة المعزولة فتجد صاحب الدينار لا يدعي منها إلا دينارا فيعزل، ويبقى اثنان فيقال لصاحب الثلاثة الذي أخذ الاثنين إنك لا تدعي في هذه إلا دينارا فيعزل، ويبقى دينار لا يدعيه إلا صاحب الاثنين فيأخذه، ثم يرجع إلى الدينارين المعزولين فصاحب الدينارين لا يدعي فيهما إلا دينارا، ويبقى دينار فيقسم بين صاحب الثلاثة وصاحب الاثنين نصفين؛ لأن كل واحد يدعي جميعه، ويبقى الدينار فيقسم بينهم لصاحب الدينار نصفه؛ لأنه يدعيه، وللآخرين نصفه لأنهما يدعيان الكل، وقاله ابن القاسم، وقال مالك: إن الدينار التالف يقسم بينهم على الأجزاء على صاحب الثلاثة ثلاثة أجزاء، وعلى صاحب الاثنين جزءان، وأخذ بكل قول جماعة من الأصحاب والعلماء وهذا كله إذا لم يعرف الدينار، أما لو عرف فمصيبته من صاحبه. السبب الرابع: الانتفاع بالوديعة وفي الكتاب: إذا استهلك بعض المثلي ثم هلكت بقيته لم يضمن إلا ما استهلك أولا؛ لأنه الذي طرأ عليه العدوان ولو رده لم يضمنه ويصدق في رده، كما يصدق في ردها إليك، وكذلك لو تسلف جميعه ثم رد مثله مكانه، وكذلك لو أخذه على غير وجه السلف لم يضمن إن هلك بعد ذلك بخلاف، إبلاء الثواب ويرد مثله للزوم القيمة له بالاستهلاك، وفي التنبيهات: لم يبين غير السلف أهو عدوان أم لا، وظاهره أن الكل سواء؛ لأنه لزوم ذمته فأخرجه عن ذمته للأمانة كما كانت قبل، وقيل: لعل معناها إذا لم يعلم قصد التعدي، ولو علم قصد الأخذ بنية الرد لضمن على كل حال، ولو ردها بنية لخروجه عن الأمانة للغصب بالتعدي، وقال (ش): متى حل خيط الخريطة أو فتح الصندوق التي أودعته فيه ضمن لهتكه حرز الوديعة من غير عدل، ووافقه ابن حنبل وضمنه (ح) الخيط دون المربوط؛ لأنه تعدى عليه دون ما في الكيس أو الصندوق، وعند الأئمة: إذا كانت الدراهم غير مربوطة ضمن المأخوذ دون الباقي، ولا يضمن بنية العدوان عند الأئمة لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم. ضمنه شريح قياسا على نية الملتقط التملك، وجوابه أن الملتقط إن نوى ابتدأت ضمن لتعديه بالفعل الحرام مع النية، أو انتهاء لم يضمن كمسألتنا، ولا يبرأ برد ما ضمنه إلى الوديعة عند الأئمة في المثليات، ويضمن الجميع عندهم إذ لم يتميز المردود عما بقي من الوديعة؛ لأن المردود ماله، وخلط الوديعة بما لا يتميز يوجب الضمان، وإذا رد الدابة بعد الركوب أو الثوب بعد اللبس برئ من الضمان عند الأئمة، قال الطرطوشي: روي عن مالك: يبرأ كانت الوديعة منشورة أو مصرورة، وعنده لا يبرأ مطلقا؛ لأنه دين ثبت في ذمته، وبه أخذ المدنيون، والروايتان في المثلي لا في القيمي فلا يبرأ إذا أراد صفقته قولا واحدا، أما إذا رد الدابة بعينها بعد التعدي بالركوب خيرك مالك بين تضمينه قيمته أو كراءها، فإن أخذت الكراء فهي في ضمانك، أو القيمة ففي ضمانه، وضمنه القاضي أبو الحسن بالاستعمال ولم يسقط الضمان بالرد؛ لأنه صار غاصبا، والغاصب لا يبرأ بالرد إلا للمالك أو وكيله أو الحاكم إن غاب المالك، وإذا قلنا: يبرأ برد مال مثلي فهو يصدق في الرد، قال مالك: لا يبرأ إلا ببينة، وعن ابن القاسم: يبرأ بغير بينة، ويصدق استصحابا للأمانة، وفي الموازية: إن تسلفها ببينة لا يبرأ إلا ببينة، وإلا صدق، وإذا قلنا: يقبل قوله ظاهر المدونة: لا يمين عليه، وقال أشهب: يحلف، وكل هذا إذا تسلفها بغير إذن صاحبها، أما إذا قال له تسلف منها إن شئت، قال ابن شعبان: لا يبرأ إلا بالرد إليك كسائر الديون، وإذا تلف الباقي قبل رد المتسلف ففي الموازية: لا يضمنه لبقائه على الأمانة، وأما نفس الإقدام على التسلف ففي المدونة: يكره، وعن مالك: إن كان له وفاء وأشهد على ذلك لا بأس به، وعند المنع هذا في الدنانير والدراهم التي لا تتعين، وأما غير المثلي قال: فلا شبهة في المنع، والمثلي كالمكيل الموزون والمعدود، قال: فلا (كذا) ظهر عندي تحريمهما، وعلى القول ببراءته برد مثل ذلك يباح، وفي الجواهر قال عبد الملك: إن كانت الوديعة مربوطة أو مختومة لا يبرأ بردها، وإن تلف بعضها ضمن جميعها لتعديه في حلها، وكذلك لو أخذ الدراهم ليصرفها في حاجته ضمن، والمكيل والموزون الذي يكثر الاختلاف فيه كالطعام هل يلحق النقدين فيكره تسلفه على المشهور، أو بالعروض التي يحرم تسلفها قولان، ولو كان معدما حرم السلف مطلقا. قال اللخمي في الدنانير والدراهم ثلاثة أقوال: المنع في المدونة، والكراهية في العتبية، وتفرقة عبد الملك، قال: وأرى إن علم أن مالكها لا يكره ذلك لرد أو غيره جاز، وإن علم منه الكراهية امتنع؛ لأنه لو صرح بالمنع عند الدفع لم يختلف في المنع، وإن أشكل أمره، وظاهر المدونة: أن القمح والشعير ونحوه مما لا يختلف فيه الأغراض، وعند (ش) إذا جحد ثم أقر أو جنى عليها عمدا فاندمل الجرح لم يعد أمينا، وإن كانت الجناية خطأ فله في تضمين الجملة وجهان، ولو استأجر أجيرا لحفظ متاعه شهرا فترك الحفظ يوما فصار ضامنا، ولا يعد أمينا، وكذلك لو وكله في بيع ماله فباع بالأقل فلا ينعقد، وإن سلم ضمن واتفق مالك و(ش) و(ح) على أنه إذا جحد ثم أقر لا يكون أمينا، ومنع (ش) من إنفاق الوديعة مطلقا، ومنشأ الخلاف في سقوط الضمان بالرد: أن عقد الوديعة هل ينفسخ بالخلاف القولي أم لا، والخلاف القولي الجحود لا جرم حصل الاتفاق فيه، ومدرك الآخر هو أن الأمر هل يقتضي التكرار أم لا، فإذا خان عاد الأمر السابق بعد ذلك. احتجوا بالقياس على الجحود؛ لأن الأمانة خصلة واحدة لا تتبعض، فإذا خان فقد بطلت، وإذا تجدد ما يضاد جملة مقتضى العقد انفسخ كما ينفسخ النكاح بالرضاع والردة، ولأنه عقد يبطل بالقول فيبطل بالفعل كالإيمان بالتصريح بالشرك وبالسجود للصنم، وكذلك الصلاة تبطل بالكلام والحدث، وعقد الذمة يبطل بالتصريح بنقض العهد ومحاربة المسلمين مع العدو، ويوضحه أن عقد الوديعة على المكلف كعقد الذمة، والأفعال في دفع العقود أعم من الأقوال لبطلان الصوم بالفعل دون القول؛ لأنه محسوس لا مرد له، وكذلك يترتب أثر الفعل من غير المكلف دون القول، كأفعال المجنون والسفيه وتملكه بالاحتطاب والاصطياد دون البيع والعقود القولية، بل يشترط لها التكليف ونفوذ التصرف بالرشد فلا ينفذ عتق السفيه، والصوم لا يعود بعد الأكل، فكذلك الأمانة لا تعود بعد الخيانة، ولأن الأمانة وإن أطلقت فهي مقيدة بالعادية بشرط البقاء على الأمانة، كما تتقيد الوكالة على شراء الثلج والقمح بالشتاء بتلك الآن منه، (كذا) والإجارة المطلقة تتقيد بالمراحل المعلومة، ولأنه عقد جائز مقيد لمحل مخصوص، فيرتفع بالمخالفة كالعارية إذا تجاوز المستعير الغاية بشيء كشيء (كذا) فإن مالكا قال: يضمن ولو ردها بحالها. والجواب عن الأول: أن الجاحد إن جحد أصل الإيداع بأن قال: ما أودعتني شيئا فقد أنكر أصل الأمر فيضمن، وإن قال: ما لك عندي وديعة ثم أقر عاد أمينا؛ لأنه اعترف به وادعى زواله فلم يرتفع، كما لو ادعى عليه عشرة من بيع، فقال: ما بايعتك قط، فلما قامت البينة قال: قضيتها، لم ينفعه ويغرم من غير تحليف خصمه، ولو قال: ما لك عندي شيء ثم أقر، وقال: قضيتك صح، وله توجيه دعواه وتحليف خصمه، والمودع هاهنا معترف بأصل الإيداع فلا ينتظم القياس. عن الثاني: أنها لو سرقت أو ضاعت من غير تقصير ثم ظفر بها أو سقطت من يده ثم أخذها عادت الأمانة والحفظ فهذا حفظ جديد، وما افتقر إلى إذن جديد، ثم الفرق بينها وبين الرضاع أنه سبب يستمر وهو كونه صار أخاها، والسبب هاهنا زال وهو العدوان، وأما الردة فجناية كفر أوجبت حبوط الأعمال لعظم مفسدتها فحبط عقد النكاح، ومفسدة الجناية والإنفاق دون تكسر فلا يلحق بها، بل اعتراض ذلك في خلال الأمانة كالإحرام والصوم والحيض لا يمنع النجاح مع منعه لمقتضاه، وشراء القريب لا يمنع الملك مع منعه لمقتضاه. عن الثالث: أن السجود للصنم حجة عليكم، فإنه إذا رجع عنه عاد مؤمنا، فيعود هاهنا إذا رجع عن إبقائها في ذمته، وبطلان الصلاة بالحدث؛ لأن دوام الطهارة شرط، وقد بطل، وانتقاء الشرط يوجب انتقاء المشروط، وكون دوام الأمانة هاهنا شرطا محل النزاع. فإن قلت: وجب أن يكون الدوام اشترط قياسا على الصلاة. قلت: إيقاع الطهارة في أثناء الصلاة مخل بوظيفة أخرى شرعية، وهو وجوب الموالاة في الصلاة وهو واجب إجماعا؛ لوقوفه بين يدي الله تعالى فلا ينقص إلا وقد وفى بما يتعين عليه من أمر ربه، فعظمة للصلاة ومناجاة رب الأرباب منفي في حفظ الوديعة بل نقول: النقل للذمة عارض عرض الأمانة فوجب أن يعود بعده كالسهو في الصلاة، يطرأ بعده التذكر والائتمام يطرأ بعده بطلان الإمامة لحدث أو غيره فيصلي منفردا. وأما عقد الذمة فلأن الأصل قتل الكافر، ومعاهدته على خلاف الدليل، والأمانة ها هنا على وفق الدليل؛ لأن الأصل عدم الضمان، فافترقا، وأما الصوم فحجة عليكم فإن إفساد أول يوم لا يقتضي إفساد ما بعده ويستحب الأمر بالصوم بعد ذلك، وإنما لم يعد الصوم في اليوم الواحد؛ لأن حكمة الصوم إيثار الله تعالى بحظ النفس من شهوتي البطن والفرج، ولا يتغير الإيثار إلا بالترك في جملة اليوم؛ لأن الإنسان لا بد له من تميز صوم من الترك في بعض اليوم، وحكمة الأمانة الحفظ، وهي حاصلة بعد الرد، وأما الإحبال من السفيه فكونه ينفذ دون عتقه فلأن رد العتق لا يلزم منه مفسدة، بل يعود الأمر كما كان، وفي الإحبال لو أبطلناه قضينا ببيع ولده المخلوق من مائه، وبيع الأولاد مفسدة، وإذا قضينا بأنه ولده ومنعنا بيعه، قضينا بأن والدته أم ولد بالضرورة، فإنه أمر محسوس وصار لها اختلاط مائها ودم طمثها مع مائه، ويخلق من الجميع ولد، وهذه أمور لها حرمات، والعتق ليس فيه إلا أصوات مقطعة لا حرمة لها، فافترقا، وملك السفيه بالأسباب الفعلية دون القولية إنما كان ذلك لأنها ترد على أعيان مباحة لا مفسدة في دخولها في ملكه، وأما بالعقود فدخولها يكون ببدل الأعيان، وهي تتوقع فيها الغبن، فمنع الشرع من صحتها سدا لذريعة الغبن. عن الرابع: أن تقييدها بالبقاء على الأمانة كتقييد رمضان بالبقاء على الطهارة من الحيض، وكما أن الصوم يبطل بطريان الحيض ثم يعود بالطهارة منه كذلك تعود الأمانة قياسا عليه، والوكالة تتضمن تصرفا وفعلا، فإذا بطلت الأمانة بقي التصرف فيصح بيعه بعد الجحود، وأما الإجارة فقد سوى الشرع فيها بين الخلاف الفعلي والقول فلا يرتفع بالجحود ولا بدعوى الأداء ولا بالمخالفة في العمل، ثم هي عقد لازم فيناسب البطلان عند المخالفة نفيا للضرر، ولا ضرر مع جواز العقد لتمكنه من الفسخ. عن الخامس: أن يد المودع يد المالك ويد المستعير ليست يد المالك؛ لأنه لم يشتبه في الحفظ، فإذا أكثر البعد فقد فوتها أسواقها فيضمن، وثم يتأكد ما قلناه أن الأصل في الحكم انتفاؤه لانتفاء علته، وقد زال التعدي فيزول الضمان، وكالمحرم إذا رد الصيد للحرم، وكما لو استعمل العبد فيما يعطب في مثله ثم تركه برئ من الضمان، وكما لو رهن عصيرا فصار خمرا سقطت الرهينة، أو نقول: عقد الإيداع، فإذا رجع خلا رجع أو نقول: عقد الإيداع لم يطرأ عليه ما يضاده فلا يبطل؛ لأنه مشتمل على أهلية الأمر وأهلية المأمور وقبول المحل، والثلاثة باقية، وإنما نافت الجناية موجب العقد وهو الحفظ، وموجب العقد قد يتأخر عن العقد كتأخر الملك عن عقد البيع في بيع الخيار، والوكيل على البيع إذا خالف ثم عاد، والأجير على الحفظ إذا ضيع ثم عاد وخرج على هذا الجحود؛ لأنه رفع العقد من أصله، ولنا في جواز التسلف ما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما وعائشة رضي الله عنها وغيرهم كانوا يستسلفون أموال اليتامى الذين في حجورهم، ولأن مقصود الوديعة أتم مراتب الحفظ، ولهذا آثر المودع حفظ غيره على حفظ نفسه، والحفظ في الذمة مع اليسار أبلغ من الحفظ تحت اليد لاستحالة آفات الفساد في الأول على الوديعة دون الثاني، فهو كما إذا نقلها إلى حرز أحصن. تفريع: قال صاحب المقدمات: الدافع ما ثبت في ذمته إما أن يدفع لذمة أو لأمانة فلا يبرأ إلا بتصديق القابض إذا ادعى التلف، ولا يبرأ إلا بإقامة البينة على معاينة الدفع، أو يأتي قابض المال بالمال، وهذا الوجه متفق عليه، وإن دفع إلى ذمة وهي قائمة برئ بتصديق القابض اتفاقا، أو خربة لا يبرأ بتصديقه إذا ادعى التلف إلا أن يقيم بينة على الدفع، فالدفع أربعة أقسام: من ذمة إلى ذمة، ومن أمانة إلى أمانة، ومن أمانة إلى ذمة، ومن ذمة إلى أمانة، والأول كمن يبعث إليك بما ثبت في ذمته مع غيره، بأن يكون سلفا عنده حتى يوصله إليك، والثاني كمن يودع عند رجل لك. نظائر قال العبدي: خروج الدين من الذمة إلى الأمانة فيه ثمان مسائل، إذا انفق الوديعة ثم قال: رددتها. ثلاثة أقوال ثالثها يصدق إن شهدت له البينة، وإذا عزل عشر زرعه في بيته فضاع فهو ضامن إلا ببينة، وقال المخزومي: لا يضمن وإذا قلت له: كل لي طعام السلم في غرائرك أو بيتك ثم قال: فعلت، ثم ضاع فهو ضامن إلا ببينة عند ابن القاسم، وإذا أمرته أن ينفق على مرمة دارك من الكراء، فقال: فعلت، صدق إذا ظهر من البنيان ما يصدقه، وإلا فلا وقال غيره: لا يصدقه إلا البينة، وإذا استأجرته على تبليغ كتاب فقال: فعلت، صدقه ابن القاسم وكذبه غيره، وإذا بعته سلعة بثمن على أن يتجر به سنة جاز إذا أخرجه من ذمته ببينة، وقيل: بغير بينة، وإذا قلت: اشتر لي بالدين الذي لي عليك عبدا، فقال: أبق، صدقه ابن القاسم وإذا قلت: اعمل لي بالدين الذي لي عندك قراضا، امتنع؛ لأنه إخراج الدين إلى الأمانة، وجوزه أشهب، قال ابن يونس: وجه قول ابن القاسم يقبل قوله في الرد؛ لأنه أخذ بتأويل أن يرد فلم يخرجه ذلك من الأمانة فيقبل قوله، وإذا حلها ثم تسلف ورد ضمنها كلها، وكذلك لو لم يتسلف لتعديه بالحل، وقال ابن القاسم وأشهب: المنثورة والمصرورة سواء، قال: والأول أحب إلي؛ لأن حل الصرار يوجب التلف، قال اللخمي: قوله في الكتاب إذا أخذها على غير وجه السلف ثم ردها برئ يحمل على أنه لم يعلم منه أنه قصد أكلها فيصدق في ردها، ولا يؤخذ بغير ما أقر به ولو علم تعديه لم يبرأ إلا بردها لصاحبها أشهد على ردها أم لا؛ لأنه أخرج نفسه من الأمانة بأخذها على غير وجه السلف، وله أن يخرج الوديعة من ذمته إذا تسلفها وهي بخلاف العرض، سواء وقف القيمة أو المثل، فلك أن تقول: لم آمنك على القيمة، ويقول في المثل: لي أن لا أجيز سلفك وأخذك بالقيمة، وأجازه في المدونة في المثلي كالقمح، وليس بالبين لاختلاف الأغراض فيه، وليس له أن يحكم لنفسه أن هذا مثل الأول، إلا أن تشهد بينة على صفة الأولى، وعلى يده وأنه مثل فقد يستحق هذا، وفي هذا السبب ستة فروع. الفرع الأول قال ابن يونس: قال محمد: إذا أقر بركوب الدابة ولباس الثوب وهلك فقلت: هلك قبل الرد، وقال: بعد، فهو مصدق مع يمينه إن أقر بالعقل؛ لأن الأصل عدم العدوان، وإن أنكر وقامت بينة فلا يصدق في الرد إلا ببينة لقوة التهمة بالإنكار، وقال ابن سحنون: ضمن بالركوب؛ لأنه عدوان، وإن قال: ركبتها بإذنك، وأنكرت صدقت مع يمينك؛ لأن الأصل عدم الإذن، ولو شهدت بينة أنه نزل عنها سالمة ثم هلكت برئ من ضمانها. وقيل: هو ضامن حتى ينزل بها بحالها، قال: وهذه الأقوال في الثوب والدابة على الخلاف في رد ما تسلف من الوديعة، وقال (ش): يضمن إذا لبس أو ركب ثم رد؛ لأنه صار غاصبا والغاصب لا يبرأ إلا بالرد إليك، وقال (ح): يبرأ بعود الحال على ما كان عليه. الفرع الثاني في الكتاب: إذا أودعته أمة فوطئها حد لعدم الشبهة والولد عبد. الفرع الثالث قال: إذا تجر في المال فالربح له وليس عليه التصدق به؛ لأنه ضمنه بالتصرف وتركه التجارة بالوديعة. وفي النكت: يأخذ الربح بخلاف المضارب والمبضع معه، والفرق أن المال دفع لهما للربح فلا يحصلاه لأنفسهما، والذي أودع لم يقصد الربح بل الحفظ فقط. الفرع الرابع قال صاحب البيان: قال ابن القاسم: إذا علم أنه ينفق من الوديعة فوجد بعد موته على كيس هذه وديعة فلان وعدتها كذا فوجدتها أقل، إن ثبت أن ذلك خطه بالبينة فالنقص في ماله، ولا أحلف الوارث أنه لا يعلم شيئا من ذلك، ولا شيء عليه. قال أصبغ: وكذلك لو وجد عليها خط مالكها إنها له يقضي له بها، وقال ابن دحون: لا يقضي له بها لاحتمال أن يكون بعض الورثة أخرجها له وكتب عليها اسمه، ولا خلاف أنه لا يقضي له إذا لم يدر من كتب، ولا في أنه يقضي له إذا وجد عليها خط الميت. الفرع الخامس قال: قال ابن القاسم: إذا أودعته سيفا فقاتل به ابنه فكسره وقيمته يوم انكسر مخالفة ليوم الوديعة وقد ضمنته يوم الوديعة فعليه قيمته يوم الوديعة، إلا أن تكون قيمته يوم العدوان أكثر، وقال أصبغ: إن كان إنما ضمن قيمته يوم الاستيداع فليس عليه غيرها، والفضل على الابن، لو ضمن السيف فعليه أكثر القيمتين وهو معنى قول ابن القاسم، قال: وهو بعيد والذي يوجبه النظر أن عليه قيمته يوم قبضه على الضمان إلا أن يعلم قيمته يوم تعدى عليه الابن ليكون ذلك عليه كان أقل أو أكثر، ويرجع بذلك على الابن، وإنما يلزمه أكثر القيمتين إذا لم يعلم قيمته يوم تعدي الابن، إن كانت أقل لم يصدق أو أدعى أنها أكثر فهو مقر على نفسه وهو أبين. الفرع السادس قال صاحب النوادر: قال مالك: إن اشترى بها جارية فحملت منه اتبع بها ذمته، قال محمد: ولو كانت طعاما أو سلعة فباعها بثمن أو ابتاع بها جارية أو سلعه فلمالك الوديعة أخذ قيمتها من ثمن أو غيره، ويأخذ الأمة وقيمة الولد، أو قيمتها فقط، ولو كانت الوديعة أو البضاعة عرضا فله أخذ الثمن أو قيمته يوم التعدي، وله في المثلي أخذ الثمن أو تضمين المثل، ولو باع المشتري السلعة باعها بأكثر مما اشتراها به، وله إجازته بيع المشتري وأخذ الثمن ويرجع على بائعه بالثمن أو يبيع المستودع أو المبضع معه بالثمن الذي باع به أو القيمة يوم التعدي، ولو كانت دنانير فصرفها بدراهم لنفسه فليس لك إلا ما كان لك إلا ما صرف به إلا برضا المودع؛ لأن الخيار لا يدخل في الصرف فلا يجبرك وإن صرفها لك امتنع أخذك لما صرف، وإن رضيتما بذلك ولكن تصرف هذه الدراهم بمثل دنانيرك فما كان من فضل فلك، وتضمن النقص بخلاف المتعدي في العروض التي تكون أنت مخيرا في المتعدى عليه لامتناع الخيار في الصرف، وأن باع العرض بثمن إلى أجل، وإن لم يفت من يد المبتاع فلك الرضا بالثمن؛ لأنه فضولي، أو يقبل الخيار في العرض، وإن فات امتنع الرضا بذلك الدين؛ لأن فسخ ما وجب لك من الدين في دين، ولكن يباع ذلك الدين بعرض ثم يباع العرض بعين فإن كان أقل من قيمة السلعة ضمنه المتعدي أو أكثر فلك، ولو باعها بطعام إلى أجل أغرمت المتعدي القيمة، وإذا قبض الطعام بيع، لامتناع بيع الطعام قبل قبضه، ثم كان الفضل لك، فإن باع الدابة بعشرة ثم اشتراها بخمسة فلك أخذ الدابة، ثم تنظر له فإن كان اشتراها لنفسه فالخمسة الفاضلة له؛ لأنها بعد الضمان وكذلك إن اشتراها لمن أمره بشرائها فإن كنت رضيت بيع المتعدي فليس لك إلا العشرة فتصير كالمتعدي على عين اشترى بها سلعة فلا خيار لرب العين فيه يريد وأن لم يرض ببيع المتعدي أخذت حمارك فقط، وإن كان إنما اشتراه ليرده عليك فيفضل الثمن لك مع الحمار، ولك أخذ العشرة وترك الحمار، قال مطرف: ولو باع العرض الذي أخذه في الوديعة بدنانير، فلك أخذ قيمة السلعة المأخوذة في الوديعة، أو قيمة السلعة المودعة في فوقهما، (كذا) أو الثمن مأخوذ في الأخيرة؛ لأنه بيع فضولي وليس بصرف، فيقبل الخيار، وكذلك إن لم يفوقا ولو ابتاع في بالدنانير الآخرة سلعة فلك أخذ بتنفيذ البيع، وقاله مالك وابن القاسم. السبب الخامس: قال مطرف: المخالفة في كيفية الحفظ قال ابن يونس: قال مطرف: قال ابن عبد الحكم: إذا قلت له: لا تقفل عليها في تابوتك فقفل فتلفت ضمن؛ لأن القفل يبعث السارق على الأخذ، وقال (ش) وابن حنبل: لا يضمن؛ لأنه زاده في الحفظ: وقالا: إذا انتقلها من الحرز الذي عينته له ضمن، إلا أن يحولها لحريق أو نحوه، وإن لم يحجر عليه فله النقل، وكذلك قالا في الخرائط: إن عينت له خريطة ضمن بالتحويل لغيرها؛ لأنه كالوكيل عندهما على شيء معين في محل معين، فإخراجه منه عدوان، وقال (ح): لا يضمن كما لو قال له: اجعلها في يمينك فجعلها في شماله، أو في يمين البيت فجعلها في شماله ولو قلت: اجعلها في التابوت ولم تزد على ذلك لم يضمن اتفاقا، ولو قلت: قفلا، فقفل قفلين لم يضمن؛ لأن السارق يطمع فيها قفل بقفل وبقفلين؛ لأنه خلاف العادة فيشتد حرصه فيتعين الضمان، ولو قلت في قدر فخار، فجعلها في قدر نحاس، فضاعت؛ لأن الميل إلى سطل النحاس أكثر، ولو قلت: في قلة نحاس لم يضمن بقلة الفخار؛ لأنه لم يعين عليها، وفي الجواهر: لو قلت له: اربط الدراهم في كمك، فأخذها في يده، فأخذها غاصب من يده لم يضمن؛ لأن اليد أحرز هاهنا، إلا أن تكون أردت إخفاءها من عين الغاصب، فرآها لما تركها فيضمن، ولو جعلها في جيب قميصه فضاعت ضمنه الشيخ أبو إسحاق، وقيل: لا يضمن، والأول أحوط، وقال صاحب المقدمات: لو كانت في داره فأخذها في كمه يظنها دراهما فسقطت ضمنها، وقال التونسي: ينبغي أن يختلف في التضمين بالنسيان؛ لاختلافهم في ادعاء الرجلين الوديعة، وينسى من دفعها إليك منهما، فقيل: يحلفان ويقسمانها، ولا ضمان عليك وقيل: يضمن كل واحد منهما لنسيانه، وفي الزاهي: لو جعلها في قميصه ضمن، وقيل: لا يضمن والأول أحوط، في الحديث: فانجابت عن المدينة انجياب الثوب، أي خرجت عن المدينة كما خرج الجيب عن الثوب، وما خرج عن الحرز ليس بحرز، والعادة: عدم دفع الودائع في الجيب فهو معرض لتلف ما فيه. السبب السادس: التضييع والإتلاف. وفي الجواهر: ذلك بإلقائها في مضيعة أو يدل عليها سارقا أو يشيع به إلى من يصادره فيضمن، ولو ضيع بالنسيان فإن تركها في موضع إيداعها ضمن. قاعدة أسباب الضمان ثلاثة: الإتلاف والتسبب له، ووضع اليد العادية. وفي هذا السبب ثمانية فروع. الفرع الأول في الكتاب: إذا أتلفها ابنه الصغير ففي مال الابن لأنها جناية، وإن لم يكن له مال ففي ذمته، أو عبده فجناية في رقبتة يفديه بها أو يسلمه؛ لأن العبد فيها جنى. الفرع الثاني في الكتاب: إذا أنزى على بقرك أو زوج الأمة فحملت فمتن من الولادة أو تحت الفحل ضمن، لتسببه في الهلاك، وقد روي عن مالك في المرتهن يزوج الأمة بأمرك فتموت في النفاس ضمنها منك، وقال ابن القاسم: منه قال ابن يونس: قال أشهب: لا يضمن في ذلك كله؛ لأن التزويج مصلحة ولا يضمن نقص الولادة لأنها ليست من فعله وكذلك تزويج الذكور لأنك إن أجزته فأنت المزوج وإلا رجع العبد على حاله ولا يضمن الأمة وإن ماتت؛ لأنه لو غصب حرة فزنى بها وهو غير محصن فحملت فماتت لا يقتل بها؛ لأنه سبب آخر ماتت به غير العدوان، وكمن غر من أمة فزوجها على أنها حرة فماتت لم يضمن قيمة والدها للأب إذا غرم الأب قيمتهم للسيد، وأما إذا ماتت تحت الفحل فيضمن؛ لأنه معتد في ذلك، واختلف في إنزاء الراعي فلم يضملانه ابن القاسم؛ لأنه كالمأذون له عادة وضمنه غيره. الفرع الثالث في الكتاب: إذا أكرى إبل الوديعة إلى مكة ورجعت بحالها إلا أنه حبسها عن اسواقها ومنافعك فيها خيرت في تضميته قيمتها يوم تعديه ولا كراء لك؛ لأن الضمان يصير المنافع له أو يأخذها وكرائها ومنافعها لك، وكذلك المستعير في المسافة والمكتري. تنبيه: قد تقدم في كتاب الغصب إشكال في هذه المسألة وهو أن الغاصب لا يضمن إذا رد المغصوب بحاله وهو أسوأ حالا من المكري والمستعير والمودع، وإن فوت الأسواق وتتمة الإشكال والجواب هنالك والسؤال قوي جدا فيتأمل. الفرع الرابع في الكتاب: إذا زوجها بغير أمرك ضمن ما نقصه التزويج، فإن ولدت جبر الولد نقص التزويج وخيرت بين أخذها وولدها؛ لأنها ملكت وتضمين قيمتها بالولد، وقال مالك في المبيعة ترد بالعيب أن الولد يجبر النقص كما يجبر بزيادة القيمة، والنكاح ثابت؛ لأنه وقع في مالك كما إذا اعتقها نفذ العتق وفي التبيهات قوله: يجبر الولد النقص معناه إذا أردت أخذها ولو ضمنته أخذت قيمتها بغير ولد، وقال ابن أبي زمنين: إذا أخذ قيمتها فعلى أنها خالية من زوج يوم بنائها وعن بعض الشيوخ قيمتها يوم تعدى عليها في التزويج، وقوله: لك أخذها مع ولدها أو تضمينه إياها إذا نفست وتأخذ قيمتها واختلف في معناه فقيل إذا نفست، زائد ليس مرادا وهو الأصح، وقيل: التخيير إنما يكون بعد النفاس ومزايلة الولد؛ لأنه حينئذ تكون ولدا وتجبر نقصا، وقد يريد بالنفاس الحمل مجازا لكونه سببه، كما أن قوله يوم بنى بها مجاز فقد يكون الحمل بعد البناء بمدة، وإنما يقوم وقت الحمل، قال اللخمي: إن أجزت النكاح سقط العدوان وإن لم يجز فسخ، قولا واحدا، وكان لك المطالبة بغير الزوجية من جهة اعتيادها للزوج وعيب الولادة، إلا أن يكون من العامي وينقصها عند المشتري عيب الولادة وقد يسقط عيب عادة الزوج إذا كانت من العامي، لأنها شأنها أن توطأ، بخلاف الوخش ثم ينظر في العيب أن كان يسيرا وفي الولد جبر للعيب لم يكن لك إلا الأمة، أو كثيرا أو في الولد جبر له خيرت بين أخذها مع ولدها دون قيمة العيب، أو قيمة العيب أو قيمتها وليس كذلك إذا اشتراها فزوجها وولدت وجبر الولد العيب، فإنه يدها رضي البائع أو سخط؛ لأنه جوز بوجه جائز ومن حقه الرد بالعيب ويجبر البائع على قبولها وإن حدث بها عيب، ويغرم العيب أو يجبره بالولد إن كان هناك ولد على قول مالك، والمودع متعد فلم يكن له ردها بعيب إلا إذا كان العيب كثيرا إلا برضاك، وجعل له ها هنا جبر العيب بزيادة الجسم إذا حسنت حالها وزادت، لأنها زادت بماله ولا فرق بين زيادة الجسم وزيادة الولد، وإنما راعي أن إلا يكون على الأولى ضرر، فإذا عاد إلى يده مثل ما خرج منه ارتفع الضرر وإن اتيت وهي حامل وكان عيب الحمل يسيرا أخذتها وقيمة العيب، وإن كان كثيرا اخترت بين تضمينه القيمة وأخذها أو نقص العيب، فإن ماتت من الولادة لم يضمن عند مالك وضمنه ابن القاسم؛ لأن التسليط على الوطء تسليط على الولادة، ويلزم على قول مالك إذا لم تمت ووجدها حاملا أن يجبر على قبولها حاملا بغير شيء، وإن كانت وضعت، وأما ما قيل فيمن عرض أمة فزوجها وهو عالم فاستحقت بعد الولادة أن الزوج يرجع بالصداق ولا يرجع بما غرم في الولد؛ لأن الولد بقي للأب ولم يؤخذ منه كما أخذت منه الزوجة. الفرع الخامس في الكتاب: إذا بعثت العبد المودع في أمر يعطب في مثله فهلك ضمنته بخلاف شراء البقل ونحوه؛ لأن العبد لو خرج في مثل هذا لم يمنع. الفرع السادس قال صاحب: قال ابن القاسم: إذا امتنع من دفع الوديعة أو الرهن لم أعط فكاكه إلا بأمر السلطان فضاعا قبل القضاء عليه وبعد الطلب، فإن قبض لغير بينة ضمن، قال: ولعل قوله في الرهن الذي لا يغاب عليه: يصدق في رده إذا قبضه بغير بينة وفي تلفه كالوديعة، وفي تلف الوديعة بعد الطلب وقبل القضاء عليه ثلاثة أقوال: لا يضمن وإن قبضها بغير بينة؛ لأن له في ذلك عذرا بأن يقول: خفت شغبه، قاله ابن عبد الحكم، ويضمن وإن قبض ببينة؛ لأن منعه عدوان لأنه كان يمكنه مقصود بالإشهاد قاله ابن دحون، والثالث الفرق بين ما يصدق فيه ثمن الرد وما لا يصدق. الفرع السابع قال صاحب النوادر: ولو اكترى البقر للحرث أو البغال لحمل الطعام ضمن البهائم؛ لأن مالك سلفها (كذا) فإن بلغت أو نقصت في كرائها فلا قيمة لك؛ لأن القيمة تصيرها على ملكه، فتكون المتابع له فلا كراء عليه في منافعه، أو يأخذ القيمة إن ماتت أو نقصها إن لم تمت ولا كراء لك لما تقدم. الفرع الثامن قال صاحب الإشراف: إذا سرقت ليس للمودع مخاصمة السارق إلا بتوكيل منك، وقال (ح): له ذلك. لنا: أن الخصومة في الأملاك للمالك، وليس مالكا فلا خصومة له. السبب السابع: الجحود وفي الكتاب: إذا جحدك وشهدت البينة ضمن؛ لأنه بالجحد صار غاصبا، وقاله الأئمة وفي الجواهر: مع غير وضمن؛ لأنه لا يستحق القبض منه ومع المالك بعد المطالبة والتمكن من الرد مضمن، ومهما جحد قبل قوله؛ لأن الأصل عدم الإيداع فإن شهدت البينة فادعى الرد من قبل، فإن كانت ضيه (كذا) حجوده إنكار أصل الوديعة لم يقبل قوله بغير بينة؛ لأن الأصل في قوله مع البينة خلاف نفيه لتناقص كلامه، أو قال:لا يلزمني تسليم شيء إليك قبل قوله في الرد والتلف لعدم التناقص بين كلاميه، قال صاحب النوادر: قال محمد: إذا أنكر الإيداع حلف على البت لا على العلم كالدين، فإن قال لا أدري، لم يقبل منه وذلك نكول فتحلف ويحكم لك بدعواك، فإن نكلت لم يكن لك شيء وإن ادعيت وقد قدمت فلك الوديعة أو في سفر لم يكلف الخلطة؛ لأن هذا ليس موضعها. السبب الثامن ترك الوصية بها أو بالقراض عند الموت فإنه يضمنه ويؤخذ من تركته، وقاله الأئمة؛ لأن تركها تحت يده موجب للقضاء بأنها ملكه فقد ضيعها، قال ابن يونس: ويحاص بها غرماؤه، ولو قال عند موته: هذا قراض فلان أو وديعتة فإن يتهم صدق، وقال أشهب: إذا قال: هي في موضع (كذا) فلم توجد هناك لم يضمن؛ لأنه عمل جهده ولعلها أخذت بعد موته فالمتعدي غيره، وعن ابن القاسم: إذا لم يوص ووجدت صرر عليها مكتوب هذا لفلان وفيها (كذا) ولا بينة على إيداعه لم يأخذها مالكها إلا ببينة أو بإقرار الميت، ولعله صادم أهل الميت حتى كتبوا ذلك، وعن ابن القاسم: إذا وجد قرطاس حساب فيه لفلان عندي (كذا) فهو لمن سمى إن شهد بأنه خط الميت، وإلا فلا، قال أصبغ: ويقضي لك بها إذا كان عليه خطك ووجد في حرز المستودع حيث أقره، قال مالك: وإذا شهد على خط المقر بالحقوق شاهدان فقد تمت الشهادة ولا يحتاج إلى يمين كالإقرار أو شاهد واحد حلف معه، أو شاهد على الخط، وآخر على الحق تمت الشهادة، قال صاحب البيان: قال ابن القاسم: إذا لم يعلم الوديعة إلا بإقراره ثم مات بعد طول المدة نحو عشرين سنة لم يؤخذ من ماله؛ لأنه لو كان حيا وادعى ردها أو تلفها صدق مع يمينه، وقد سقطت اليمين بالموت؛ لأن الميت يتعذر تحليفه فقد سقط الحق بالكلية، ويلزم الكثير من ورثة يحلف ما يعلم لها سببا، ولا يعتقد لطول المدة إن تسلفها أو استهلكها؛ لأن الأصل براءة ذمته وعدم العدوان، وهذا كان القياس لو قصرت المدة لكن الفرق بينهما: أن الودائع لا تترك عند قابضها الدهر الطويل غالبا، والعشر سنين كالعشرين والسنة ونحوها قليل، فقيل: إن هذا خلاف قوله في كتاب الشركة في المدونة في الشريكين يموت أحدهما فيقيم شريكة البينة أنه كان عنده مائة دينار من الشركة فلم توجد ولا علم لها مسقط (كذا) أنها تكون في ماله، وقيل: ليس بخلاف وهو الصحيح لأنها مسألة أخرى، والفرق أن للشريك التصرف في المال بخلاف المودع. السبب التاسع التقصير في الإشهاد كالرد إذا قبض ببينة وقد تقدم في أول الفصل الثاني من العاقبة الأولى، ذكر هذا ومخالفة الأئمة لنا ووجه الحجة عليهم ونذكر هاهنا ما يتعلق بهذا السبب مما لم يذكر هنالك، قال صاحب المقدمات: إذا قبض ببينة يكون قد ائتمنه على الحفظ دون الرد فيصدق في الحفظ الذي أؤتمن عليه دون الرد الذي لم يؤتمن عليه، قاله مالك وجميع أصحابه إلا رواية عن ابن القاسم في دعوى المستأجر رد ما استأجره من العروض فيصدق، قبض ببينة أم لا، ولا فرق بين المستأجر والمودع عنده، وقد تأول عليه أصبغ أنه فرق بين القراض والوديعة وبين المستأجر من العروض في دعوى الرد إذا قبض ببينته، ووقع في النوادر لابن القاسم ما ظاهره تأويل أصبغ عليه، والصحيح التسوية بل المستأجر أولى بعدم القبول من المودع؛ لأنه قبض له لخفتهما، وكذلك القراض فيتحصل أربعة أقوال: المشهور لا يصدق إذا قبض ببينة في الثلاثة، ويصدق فيها وإن قبض ببينة، والتفرقة لأصبغ بين المستأجر، والآخرين على تأويله عن ابن القاسم، ويصدق في الوديعة دونهما لاحتمال أن يكون القصد بالإشهاد فيهما التوثق من عقد القراض والإجارة دون العين، وهذا إذا دفع الأمانة لدافعها وأما لغيره فعليه ما على ولي الأيتام من الإشهاد ولا يصدق إذا أنكر القابض قولا واحدا، إلا قول عبد الملك قال ابن يونس: قال أصبغ: إذا قال لا أدري أضاعت أو رددتها 0 والقبض ببينة يضمن؛ لأن يده يد ضمان، وإنما أمر على الحفظ ولم يتحقق المبرئ، قال ابن عبد الحكم: ولو قال لك: إن أودعتني شيئا فقد ضاع، وقد قبضته ببينة ليس عليه إلا يمينه لجزمه بانحصار الطارئ في الضياع. كمل بحمد الله وحسن عونه. بسم الله الرحمن الرحيم
|